للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطابة مع جهارة المنطق وطلاوة الكلم معاوية وعبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد الناقص، وقد وصف بعض الشعراء مهارة معاوية فى خطابته فقال (١):

ركوب المنابر وثّابها ... معنّ بخطبته مجهر (٢)

تريع إليه هوادى الكلام ... إذا ضلّ خطبته المهذر (٣)

وخطابته قسمان: قسم سياسة خالصة، وقسم مواعظ وترغيب وترهيب، وهو فى القسم الأول يدعو إلى الطاعة ملوّحا بما فى يديه من قوة ومن عطايا وهبات، ومن خير ما يمثّل ذلك خطبته فى عام الجماعة سنة ٤١ للهجرة بالمدينة (٤). وهو فى القسم الثانى ينفّر من الدنيا والتعلق بمتاعها الزائل، ومن خير ما يمثل هذا القسم خطبة رواها له الجاحظ (٥)، وقد اتهم نسبتها إليه وقال إنها حرية بأن تنسب إلى على بن أبى طالب. والجاحظ بهذا الاتهام يقسو على معاوية، وكأنه نسى أنه من كتّاب الوحى وأنه من جلّة الصحابة. وتتردد فى خطابة عبد الملك مطالبة الرعية بالطاعة لخليفتهم، مع التهديد والوعيد لمن تحدّثهم نفوسهم بالخروج عليه (٦)، أما عمر بن عبد العزيز فخطبه مواعظ خالصة، يتحدث فيها عما ينتظر الإنسان من الموت وانتقاله إلى دار الخلود ومحاسبته على ما قدّمت يداه على شاكلة قوله فى كلمة له (٧):

«أيها الناس! إنكم لم تخلقوا عبثا ولن تتركوا سدى، وإن لكم معادا يحكّم الله نبيّكم فيه، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التى وسعت كل شئ وحرم الجنة التى عرضها السموات والأرض. واعلموا أن الأمان غدا لمن خاف الله اليوم وباع قليلا بكثير وفائتا بباق، ألا ترون أنكم فى أسلاب الهالكين، وسيخلفها من بعدكم الباقون، كذلك حتى تردّوا إلى خير الوارثين».

وليزيد الناقص حين ولى الخلافة بعد قتله ابن عمه الوليد بن يزيد خطبة


(١) البيان والتبيين ١/ ١٢٧.
(٢) معن: تعن له الخطبة فيخطبها مقتضبا لها.
(٣) تريع: ترجع. هوادى الكلام: أوائله.
(٤) العقد الفريد ٤/ ٨١.
(٥) البيان والتبيين ٢/ ٥٩ وما بعدها.
(٦) العقد الفريد ٤/ ٤٠١ والأمالى ١/ ١٢.
(٧) البيان والتبيين ٢/ ١٢٠ وعيون الأخبار ٢/ ٢٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>