للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل من الطريف أن كتب الأدب احتفظت له بمواعظ كثيرة، ويروى أن الحسن البصرى كان يقول عنه إنه «يعظ عظة الأزارقة ويبطش بطش الجبّارين» (١) ومن قوله فى بعض مواعظه: «اللهم أرنى الهدى هدى فأتبعه وأرنى الغىّ غيّا فأجتنبه ولا تكلنى إلى نفسى فأضلّ ضلالا بعيدا (٢)».

وكان خالد القسرى خطيبا مفوها، مع لحن كان فيه، وكان إذا تكلم ظنّ الناس أنه يصنع كلامه لجمال لفظه وبلاغة منطقه، وله خطب كثيرة يحثّ فيها على طاعة الخلفاء منذرا متوعدا من ينقض حبل الجماعة. وأكثر فى خطب الجمع من المواعظ، حتى سمّى خطيب الله (٣)، ويروى أنه كان يخطب يوما فسقطت جرادة على ثوبه، فقال (٤):

«سبحان من الجرادة من خلقه، أدمج قوائمها، وطوّقها جناحها، ووشّى جلدها، وسلّطها على ما هو أعظم منها».

وإذا كان قواد المعارك الدامية من خوارج وشيعة وثائرين مختلفين حاربوا بنى أمية غضبا لدينهم كما دار على ألسنة خطبائهم فإن قواد بنى أمية فى الصفوف المقابلة كانوا يزعمون نفس الزعم، على نمط قول مسلم بن عقبة قائد أهل الشام فى وقعة الحرّة: «يا أهل الشام أهذا القتال قتال قوم يريدون أن يدفعوا عن دينهم وأن يعزّوا به نصر إمامهم (٥)» وقول المهلب بن أبى صفرة فى حثّ جنده على قتال الأزارقة: «يا أيها الناس إنكم قد عرفتم مذهب هؤلاء الخوارج وإنهم إن قدروا عليكم فتنوكم فى دينكم وسفكوا دماءكم (٦)». فقواد بنى أمية فى هذه الحروب الداخلية كانوا مثل خصومهم يرون أن الحق فى جانبهم وأن أعداءهم أهل غىّ وضلال.

وكان قواد الفتوح شرقا وغربا وفى بلاد الروم لا يزالون يحثّون جنودهم على الاستشهاد فى سبيل الله مقتبسين من آى الذكر الحكيم ما يشعل حماستهم،


(١) البيان والتبيين ٣/ ١٦٤.
(٢) البيان والتبيين ٢/ ١٣٧ والعقد الفريد ٤/ ١١٥.
(٣) البيان والتبيين ٢/ ٢٧٥.
(٤) عيون الأخبار ٢/ ٢٤٧.
(٥) طبرى ٤/ ٣٧٥.
(٦) الكامل للمبرد ص ٦٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>