ما يكفيك فليس ها هنا شئ يغنيك، وإن كان يغنيك ما يكفيك فالقليل من الدنيا يغنيك».
ويكرر الحسن دائما ذكر الموت والآخرة والإعراض عن الدنيا والخوف من؟ ؟ ؟ وما أعدّ للعصاة من الجحيم والعذاب المقيم، ويجلّل الحزن مواعظه، فهو دائما مهموم لما يفكر فيه من مصيره ولقاء ربه يوم يفوز المحسنون ويخسر المبطلون، فطوبى لمن قنع بالكفاف وذكر فى غدوّه ورواحه المعاد، وأعدّ عدته ليوم الحساب يوم موقفه بين يدى الله، وهو لا يدرى أيؤمر به إلى الجنة أم إلى النار. وإن التفكير فى ذلك حرىّ أن يملأ نفس المؤمن بالحزن والهم آناء الليل وأطراف النهار.
ولعل فى هذا كله ما يوضح المعانى التى كان يخوض فيها الحسن البصرى، وقد كان يختار لها كسوة حسنة من هذا الأسلوب الذى يشيع فيه الازدواج، كما يشيع فيه الطباق والتصوير، وأيضا فإنه كان يشيع فيه التقسيم من مثل قوله:
«لا تزول قدما ابن آدم حتى يسأل عن ثلاث: شبابه فيما أبلاه، وعمره فيما أفناه، وماله من أين كسبه وفيما أنفقه».
وهو بلا ريب أكبر من ثبّتوا فى هذا العصر ذلك الأسلوب المونق الذى تأثّر به عبد الحميد ومن خلفوه من الكتّاب إذ كان يقتدر على تصريف الكلم مع السلامة من التكلف والبراءة من التعقيد، وليس ذلك فحسب بل أيضا مع تحلية لفظه بالمزاوجات والمقابلات والتشبيهات والاستعارات والتقسيمات الدقيقة.