للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحقّا هناك كتب تزيّدت فى هذه الرسائل ونقصد كتب الشيعة من مثل شرح ابن أبى الحديد على نهج البلاغة وكذلك كتاب الإمامة والسياسة المنسوب إلى ابن قتيبة.

ولكن إذا نحّينا هذين الكتابين وأضرابهما واعتمدنا على الكتب الوثيقة من مثل الطبرى والبيان والتبيين والكامل للمبرد استقبلتنا وخاصة فى الطبرى سيول من هذه الرسائل كتبتها على مرّ العصر وأحداثه فرق الخوارج والشيعة والزبيريين ومن ثاروا على الدولة الأموية أمثال ابن الأشعث، كما كتبها خلفاء بنى أمية وولاتهم وقوادهم.

ولن نستطيع أن نعرض كل ما روى للخوارج من رسائل، لكثرتها، ومن ثمّ سنكتفى بالحديث عن أهم رسائلهم، ومعروف ما شجر بينهم من خلاف أدّى كما مرّ بنا إلى تفرقهم أربع فرق، هى الأزارقة والنّجدية والصّفرية والإباضية، وقد مضى الأولون بقيادة نافع بن الأزرق يحرّمون القعود عن الخروج ويستحلّون دماء المسلمين وقتل أطفالهم، وخالفتهم فى ذلك الفرق الأخرى. ويسوق المبرد فى تصوير هذا الخلاف رسالتين (١) متبادلتين بين نجدة بن عامر الحنفى زعيم النّجدات ونافع بن الأزرق، فنجدة يراجعه فى مقالته، ونافع يحتج لها. والرسالتان وثيقتان طريفتان فى بيان مقالتى النجدات والأزارقة. ومرّ بنا كيف قاد الأزارقة مع قواد مصعب بن الزبير حربا عنيفة على الرغم من قتل قائدهم نافع فى وقعة دولاب، فقد ظلوا يحاربون قائده المهلب، حتى إذا دخلت العراق فى طاعة عبد الملك مضوا فى ثورتهم، وظلت الجيوش توجّه إليهم، يوجّهها ولاة العراق وخاصة الحجاج، وكان زعيمهم لعهده قطرى ابن الفجاءة، ونرى الحجاج يراسله مهددا متوعدا، ويرد عليه قطرى بنفس الصورة من التهديد والتوعّد، ونحن نسوق رسالتين (٢) لهما تصوّران كيف كان يتراسل الولاة مع الثائرين من خوارج وغير خوارج، أما رسالة الحجاج فتجرى على هذا النمط.

«سلام عليك. أما بعد فإنك مرقت من الدين مروق السّهم من الرّميّة، وقد علمت حيث تجرثمت، (٣) ذاك أنك عاص لله ولولاة أمره. غير أنك أعرابى


(١) المبرد ص ٦١١ وما بعدها.
(٢) البيان والتبيين ٢/ ٣١٠ وانظر المبرد ص ٢١٤.
(٣) تجرثمت الشئ: أخذت معظمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>