للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما سلف إلىّ منك عونا على مؤتنف الرجاء فيك».

وفى الرسالة ما يصوّر دقة تفكيره ولطف مداخله إلى ما يريد من إخوانه، فهو يشكر ويرجو، ويجعل ما سلف آية على تحقيق رجائه. واحتفظ المبرد فى كامله برسالة لابنه عبد الله كتب بها على لسان هشام سنة تسع عشرة ومائة إلى خالد القسرى حين أخذ ابن حسان النبطى وكيل هشام على ضياعه بالعراق فضربه بالسياط. وهو يفتتحها بقوله (١):

«بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد بلغ أمير المؤمنين عنك أمر لم يحتمله لك إلا لما أحبّ من ربّ (٢) الصنيعة قبلك واستتمام معروفه عندك. وكان أمير المؤمنين أحقّ من استصلح ما فسد عليه منك، فإن تعد لمثل مقالتك وما بلغ أمير المؤمنين عنك رأى فى معالجتك بالعقوبة رأيه. إن النعمة إذا طالت بالعبد ممتدّة أبطرته، فأساء حمل الكرامة، واستقلّ العافية، ونسب ما فى يديه إلى حيلته وحسبه وبيته ورهطه وعشيرته، فإذا نزلت به الغير (٣)، وانكشطت (٤) عنه عماية الغىّ والسلطان، ذلّ منقادا، وندم حسيرا، وتمكن من عدوه قادرا عليه قاهرا له. .».

وأطنب عبد الله فى الرسالة مبينا لخالد ما بلغ هشاما من فلتات لسانه، ومصغرا لأمره بالقياس إلى سلفه الحجاج وقضائه على الفتن والثورات، وكيف أن هشاما أعلى من شأنه بتوليته على العراق مع وجود من يعلوه ويغمره. ويمضى يعدد عليه أخطاءه فى سياسته وكيف أنه يستعين بالمجوس فى أعماله، وكيف ضيّع أموالا كثيرة، هى أموال المسلمين، فى حفر نهر المبارك، وكيف يبتزّ أموال رعاياه باسم هدايا النّيروز والمهرجان وينجى عليه باللائمة فيما صنع بابن حسان، ويسجّل عليه نقص الخراج وأنه ولّى أسدا أخاه خراسان، مظهرا بها العصبية اليمنية متحاملا على المضرية. وهو فى ثنايا ذلك يتهدده برواجع بغيه وأنه إن لم يكف عن غيّه فقبل أمير المؤمنين كثيرون خير منه عاقبة وعملا.

وطالت الرسالة، حتى لكانها تاريخ مختصر لخالد القسرى وولايته الطويلة


(١) المبرد ص ٧٩٠ وما بعدها.
(٢) رب الصنيعة: إتمامها وتنميتها.
(٣) الغير: حوادث الدهر.
(٤) انكشطت: انكشفت.

<<  <  ج: ص:  >  >>