للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجده ينص على أن هشاما كان يأمره بالكتابة عنه إلى ولاته فى الشئون التى تعرض له (١).

فالخليفة لم يعد يملى كتبه على كتّابه كما كان الشأن فى القديم، بل أصبح الكاتب يكتب الرسالة، ثم يعرضها عليه، ومن ثمّ لم يعد الضمير فى الرسالة ضمير متكلم، بل أصبح ضمير غائب، فالكاتب يقول فى مستهل رسالته:

«بلغ أمير المؤمنين كتابك» ونحو ذلك. ومن هنا كنا نزعم أن كتب هشام بصفة عامة لم يكتبها هو وإنما كتبها سالم وتلميذاه عبد الله وعبد الحميد. وقد ينصّ على التلميذين، أما سالم فقلما نصّت المصادر على اسمه. وتحوّل عبد الحميد من ديوان هشام إلى ديوان مروان بن محمد عامله على أرمينية.

ولعل من الطريف أن الرسائل التى صدرت عن ديوان هشام تطبع بطوابع أسلوبية واحدة، إذ تجرى فى أسلوب من الازدواج ومن اللغة الجزلة الرصينة، على شاكلة القطعة التالية من رسالة على لسان هشام إلى يوسف بن عمر وقد استخفّ ببعض أهله (٢).

«حللت هضبة أصبحت تنحو (٣) بها عليهم مفتخرا، هذا إن لم يدهده (٤) بك قلة شكرك متحطّما وقيذا (٥)، فهلا-يابن مجرّشة (٦) قومك-أعظمت رجلهم عليك داخلا، ووسّعت مجلسه إذ رأيته إليك مقبلا، وتجافيت له عن صدر فراشك مكرما، ثم فاوضته (٧) مقبلا عليه ببشرك إكراما لأمير المؤمنين».

والرسالة طويلة، وهى كلها من هذا النسيج الأنيق الذى يزينه الازدواج والصور البيانية، وقد أثرت لسالم رسالة يشكر بها بعض إخوانه على صنيع قدّمه إليه، وهى على هذا النمط (٨).

«أما بعد فقد أصبحت عظيم الشكر لما سلف إلىّ منك، جسيم الرجاء فيما بقى لى عندك. قد جعل الله مستقبل رجائى منك عونا لى على شكرك، وجعل


(١) الجهشيارى ص ٦٢.
(٢) طبرى ٥/ ٦٨. وما بعدها.
(٣) تنحو: تشرف وتطل.
(٤) يدهده: يسقط.
(٥) وقيذا: صريعا.
(٦) المجرشة: الماشطة.
(٧) فاوضته: حدثته.
(٨) انظر جمهرة رسائل العرب لأحمد زكى صفوت ٢/ ٤٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>