للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا النحو كان كتّاب الولاة والقواد فى الشرق يحبّرون رسائلهم، كلّ حسب فصاحته وذوقه وقدرته البيانية. وكان ديوان الحجاج نفسه أشبه بمدرسة كبيرة يتخرّج فيها الكتّاب على يد رئيسه صالح بن عبد الرحمن الذى نقل الدواوين من الفارسية إلى العربية، يقول الجهشيارى: «كان عامة كتّاب العراق تلامذة صالح، فمنهم المغيرة بن أبى قرّة كتب ليزيد بن المهلب (فى ولايته لسليمان بن عبد الملك) ومنهم قحذم بن أبى سليم وشيبة بن أيمن كاتبا يوسف بن عمر، ومنهم المغيرة وسعيد ابنا عطية، وكان سعيد يكتب لعمر بن هبيرة، ومنهم مروان بن إياس كتب لخالد القسرى، وغيرهم» (١).

وتلقانا نصوص تدل على أنهم كانوا يعنون بالطّوامير والقراطيس (٢) التى كانوا يكتبون فيها، كما كانوا يعنون بنفس كتابتهم وخطوطهم، وفى الجهشيارى أن الوليد أول من كتب من الخلفاء فى الطوامير وأنه أمر بأن تعظّم كتبه ويجلّل (٣) الخط الذى يكتب به، وكان يقول: تكون كتبى والكتب إلىّ خلاف كتب الناس بعضهم إلى بعض (٤). ويظهر أن الكتاب غالوا فى النفقة على كتبهم، حتى لنرى عمر بن عبد العزيز يأمر بالاقتصاد فى القراطيس، طالبا من الكتّاب أن يوجزوا (٥)، وكأنما أصبح الإطناب ظاهرة عامة.

ونحن لا نصل إلى ديوان هشام بن عبد الملك (١٠٥ - ١٢٤) حتى نحس أنه كان مدرسة كبيرة، وهى مدرسة رقى فيها النثر الفنى لهذا العصر إلى أبعد غاية كانت تنتظره، إذ كان يتولّى ديوان الرسائل سالم مولى هشام، وأخذ يخرّج غير كاتب، وقد اشتهر له تلميذان أحدهما من بيته هو ابنه عبد الله والثانى من غير بيته، هو صهره وختنه عبد الحميد.

وكان سالم يجيد اليونانية، ونقل منها-كما مر بنا-بعض رسائل لأرسططاليس، ونرى صاحب الفهرست يجعله أحد البلغاء العشرة الأول (٦)، ويقول عنه إن له رسائل تبلغ نحو مائة ورقة (٧). ومن يرجع إلى الجهشيارى


(١) الجهشيارى ص ٣٩.
(٢) الطوامير والقراطيس: الصحف الكبيرة.
(٣) يجلل: يعظم.
(٤) الجهشيارى ص ٤٧.
(٥) الجهشيارى ص ٥٣.
(٦) الفهرست ص ١٨٢.
(٧) الفهرست ص ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>