للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنه قتل فى مصر أننا نجد بها أبناءه وأحفاده، وقد استخدمهم بعض الولاة فى دواوينهم (١)

وعبد الحميد بدون ريب أبلغ كتّاب هذا العصر وأبرعهم، وقد سماه الجاحظ فى بيانه عبد الحميد الأكبر، ونصح الكتاب أن يتخذوا كتابته نموذجا لهم (٢)، وظلت شهرته مدوية على القرون حتى قيل: «فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد» وفيه يقول ابن النديم: «عنه أخذ المترسّلون ولطريقته لزموا، وهو الذى سهّل سبيل البلاغة فى الترسل». وقد أجمع كثيرون على أنه أول من استخدم التحميدات فى فصول الكتب، وكأنه تأثر فى ذلك بتحميدات واصل وغيره من الوعّاظ، وقد احتفظ كتاب المنظوم والمنثور لابن طيفور بطائفة منها لا تقل كمّا ولا كيفا عن تحميد واصل الذى مرّ بنا فى أول خطبته المنزوعة الراء. ولا تلفتنا عند عبد الحميد براعته الأدبية فى صنع رسائله فحسب، وإنما يلفتنا أيضا أنه تحول بطائفة منها إلى رسائل أدبية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، محاكيا فى ذلك ما كان يعرفه من رسائل الفرس الأدبية التى أثرت عن الساسانيين والتى يقال إنه كان أحد نقلتها إلى العربية (٣). وليس معنى ذلك أنه وقف عند النقل والترجمة، فقد مضى يحاكى هذه الرسائل لا محاكاة طبق الأصل وإنما هذه المحاكاة التى تنتهى إلى التمثل وصنع الأعمال الأدبية المبتكرة، من ذلك رسالته إلى الكتّاب (٤) وهى رسالة عامة ليست موجّهة إلى شخص معين أو كاتب بعينه، إنما هى موجهة إلى هذه الطائفة التى أصبح لها كيان واضح فى حياة الدولة، وقد وصف فيها عبد الحميد صناعة الكتابة وأهمية الكتّاب فى تدبير الحكم وما ينبغى أن يتحلوا به من آداب ثقافية وأخرى خلقية وسياسية تتصل بالخلفاء والولاة والرعية. ونحن لا نقرنها إلى ما استهلّ به الجهشيارى كتابه «الوزراء والكتاب» من وصايا كان يوصى بها ملوك الفرس ووزراؤهم الكتّاب حتى نحس أن عبد الحميد تأثر هذه الوصايا فى رسالته التى تعدّ دستورا دقيقا لوظيفة الكاتب وما عليه من حقوق للخلفاء والولاة وحقوق للرعية فى سياستها


(١) الجهشيارى ص ٨٢.
(٢) رسائل الجاحظ نشر فنكل ص ٤٢.
(٣) الصناعتين ص ٦٩ والبيان والتبيين ٣/ ٢٩.
(٤) الجهشيارى ص ٧٣ وصبح الأعشى ١/ ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>