للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضبط شئونها فى الخراج وغير الخراج، ونراه يرسم فيها ما ينبغى أن يحسنه الكتّاب من ضروب العلم والثقافة، يقول:

«فنافسوا، معشر الكتاب، فى صنوف العلم والأدب، وتفقّهوا فى الدين، وابدءوا بعلم كتاب الله عزّ وجل، والفرائض، ثم العربية، فإنها ثقاف ألسنتكم، وأجيدوا الخطّ فإنه حلية كتبكم، وارووا الأشعار واعرفوا غريبها ومعانيها، وأيام العرب والعجم، وأحاديثها وسيرها، فإن ذلك معين لكم على ما تسمون إليه بهممكم. ولا يضعفن نظركم فى الحساب، فإنه قوام كتّاب الخراج منكم».

فهو يطلب إليهم أن يتجمّلوا بحلى العلم والأدب، ويصرّح بأن عليهم أن يوسّعوا ثقافتهم فى الدين والفرائض حتى يقفوا على أحكام الشريعة فيما يتصل بمعاملة أهل الذمة ومعاملة المسلمين أنفسهم فى شئون الخراج. وقد طلب أن يضيفوا إلى ذلك إتقانا لعلم الحساب، وعيّن لهم الينابيع التى تعينهم على إحسان التعبير عما فى أنفسهم وعلى رأسها القرآن الكريم ثم الأشعار ليعرفوا غريبها ومعانيها. ومضى فطلب إليهم أن يتثقفوا بتاريخ العرب، وتاريخ العجم وأحاديث ملوكها وسيرها، لينتفعوا بذلك فى كتاباتهم السياسية. ونراه فى تضاعيف رسالته يطلب إلى الكتّاب أن يؤلفوا بينهم ما يشبه النّقابة فى عصرنا، فقد حضّهم على الأخذ بيد من ينبو به الزمان منهم ومساعدته، حتى يعود إلى ما كان عليه من الرّفه فى العيش.

ولعبد الحميد بجانب هذه الرسالة رسالة فى وصف الإخاء رواها ابن طيفور (١) وهى فى رأينا تكملها، فقد عرض فى رسالة الكتّاب لأخوّتهم وما ينبغى أن يجمعهم من إلف الوداد والصداقة، ومضى فى هذه الرسالة يفصّل الحديث فى معنى الإخاء وحاجة الأفراد إليه مبينا دعائمه التى تكفل له البقاء وتجعل حياة الناس صفاء مستحبّا وعشرة عذبة، بما يبرّ به الأخ أخاه حين تنزل به عوارض الأقدار وحوادث الزمان. وبذلك تدخل الرسالة فى هذا الضرب من الأدب الأخلاقى الذى شاع فى بلاط الساسانيين، وصدر عنه ابن المقفع فى كتابيه


(١) انظر جمهرة رسائل العرب ٢/ ٤٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>