تحولت العربية من لغة وثنية ساذجة إلى لغة ذات دين سماوى باهر، تخوض فى معان جديدة من عبادة الله الواحد الأحد ووصف الكون فى طرفيه من النشأة والدّثور ورسم الكمالات الروحية ووضع التشريعات المحكمة التى تحقّق للناس السعادة فى الدارين. وكانت خطابة الرسول تارة وعظا وتارة تشريعا، وقد تجمع بين الطرفين. ومضى الخلفاء الراشدون على هدى الرسول يعظون الناس، وأخذت تدفع أبا بكر وعمر مواقف جديدة للكلام، إذ أخذوا يخطبون فى الجيوش الفاتحة محمّسين وموصين باتباع تعاليم الإسلام السمحة فى معاملة الأمم المغلوبة.
وسار فى نفس الدرب عثمان، ثم على بن أبى طالب، وكان خطيبا مفوّها، وقد اندلعت الحروب الداخلية طوال عهده واندلعت معها خطابة كثيرة فى صفوفه وفى الصفوف المعارضة كما اندلعت مناظرات مختلفة فى الآراء المتقابلة، وكل ذلك فسح طاقة النثر العربى فى صدر الإسلام، ومدّ أطنابها مدّا واسعا.
وجدّت بجانب ذلك حاجة شديدة إلى الكتابة، لا كتابة الذّكر الحكيم فحسب بل أيضا كتابة معاملات المسلمين وعقودهم وكتابة مواثيق الرسول صلى الله عليه وسلم وعهوده، وأخذ يفرغ لذلك كتّاب مختلفون ذكرهم الجهشيارى وغيره. وتحدث الفتوح، وتكثر الرسائل بين الخلفاء وقوّادهم وولاتهم، كما تكثر المعاهدات، وفى أثناء ذلك ينشأ النثر الكتابى عند العرب ويرقى، كما رقى النثر الخطابى، بما أخذ يحمل من تعاليم الإسلام وتشريعاته.
وانتقلت إلى الكتاب الثانى الخاص بعصر بنى أمية، فتحدثت عن مراكز الشعر فى هذا العصر، ووقفت أولا عند المدينة ومكة وما غرقتا فيه من الحضارة والترف واللهو والغناء، مما كان له أثر واسع فى نمو الغزل بهما وذيوعه على كل لسان. وكان سكان نجد وبوادى الحجاز يعيشون فى شظف من العيش هيأ بتأثير الإسلام ومثاليته الروحية لظهور ضرب من الغزل العذرى العفيف وشيوعه.
وحدث أن عشائر قيسية كثيرة رحلت مع الفتوح إلى الشام والجزيرة فاصطدمت هناك بالقبائل اليمنية وبقبيلة تغلب المضرية. ونشبت بين الطرفين سلسلة حروب دامية عادت فيها العصبية القبلية والحمية الجاهلية، فاشتعل الفحر والهجاء.
وكانت الكوفة مستقرّا للشيعة وثوراتهم ضد بنى أمية فطبع شعرها فى جمهوره