للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بطابع شيعى حزين. وأخذت العصبيات تحتدم فى البصرة احتداما، وحملها منها الجنود المحاربون فى خراسان، فكثر الشعر الذى ينطق عنها فى البيئتين.

وكثرت سيول المديح فيهما وفى الكوفة، ومضت أسراب تتغنّى بالزهد أو بالمجون، وأسراب أخرى تتغنى بنظرية الخوارج السياسية وخاصة فى البصرة وبين جيوش الأزارقة فى فارس. ولم ينشط الشعر فى الشام إلا قليلا، فإن أكثر ما أنشد فيها وفد عليها إما مع مدّاح الأمويين وإما مع العشائر القيسية التى هاجرت إلى الشمال وإما مع بنى أمية أنفسهم، فقد ظهر بينهم غير شاعر. وكان الشعر فى المراكز الأخرى خامدا، ومصر تتقدّمها لا بشعرائها الذين نبتوا فيها، ولكن بمن وفدوا على ولاتها مادحين.

وكانت تؤثّر فى الشعر الأموى مؤثرات عامة مختلفة، فقد امتزج العرب فى البلدان المفتوحة بالموالى، وسرعان ما هجروا لغاتهم إلى العربية وعبّروا بها عن عقولهم وقلوبهم وأعماق وجدانهم، مما أحدث فيها صورا مختلفة من التطور، إذ دخلت فيها بعض الألفاظ الأعجمية وظهرت على ألسنة الموالى لكنات مختلفة وانتشر اللحن، وأخذت سلائق بعض العرب أنفسهم فى الضعف.

وقد مضى الشعراء جميعا يستلهمون الإسلام فى أشعارهم سواء حين يتغزلون أو يمدحون أو يهجون أو يحمّسون للجهاد فى سبيل الله أو حتى حين يصفون الصحراء. وتوزعتهم الفرق السياسية من زبيرية وخوارج وشيعة وغيرهم. ونعموا بالحضارات الأجنبية، وساقهم ذلك إلى ضروب من المتاع الحسى واللهو والترف.

ودعمت عقولهم بعناصر ثقافية مختلفة: جاهلية وإسلامية وأجنبية، وانبعثت بينهم فرق الجبرية والمرجئة والقدرية والمعتزلة، وخضعوا لمؤثرات اقتصادية مختلفة. وكل ذلك نرى أصداءه فى الشعر كما نرى فيه تعاونا وثيقا بين العرب والموالى، فقد عاشوا بنعمة الإسلام إخوانا، وكأنما محيت بينهم الفوارق الجنسية، حتى ليفتخر الأعاجم بمواليهم من العرب، إذ يشعرون فى قرارة أنفسهم بأنهم من أبناء هذه القبيلة أو تلك، ويتبادل العرب معهم نفس الشعور.

وكثر شعراء المديح والهجاء كثرة مفرطة، فقد كان المدّاحون يغدون ويروحون على أبواب الولاة والقواد والأجواد ناثرين ورود الثناء محمّلين بنفائس

<<  <  ج: ص:  >  >>