للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يزعمون أنها بنات الله، وكانوا يعدونها-كأصنامهم-من شفعائهم عند الله وشركائه، وحكى القرآن اعتقادهم فى ذلك إذ يقول جل وعز: {أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ»}. وفى القرآن سورة للجن وكانوا يخافونها ويتعبدونها ويجعلون بينها وبين الله نسبا، يقول جل وعز: {وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ، وَخَلَقَهُمْ، وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يَصِفُونَ»} وفى أساطيرهم أو قل فى معتقداتهم أن الجن هى التى تصد الثيران عن الماء حتى تمسك البقر عن الشرب فتهلك.

يقول الجاحظ: وكانوا إذا أوردوا البقر فلم تشرب إما لكدر الماء أو لقلة العطش ضربوا الثور ليقتحم الماء، لأن البقر تتبعه (١)، فكانوا إذا امتنعت ظنوا ذلك من عمل الجن وإيحائهم. ولهم فيها كثير من الأساطير، عرض لها الجاحظ فى الجزء السادس من حيوانه، فتحدث عن مواطنها فى رأيهم وأنها تركب النعام والظباء والحشرات وأنها تتصور فى صور كثيرة، وتتوالد مع الناس، وقد تستهويهم وتقتلهم أو تخبلهم، ويسمع ليلا عزيفهم وهتافهم، ومنهم من يألف الكهان ويخدمهم وهو الرّئىّ، ومنهم من صورته على نصف صورة الإنسان ويسمى شقّا، ولكل شاعر شيطانه الذى ينفث فيه الشعر. ومنهم السعلاة والغول، وهى من سباعهم، ويزعم تأبط شرا فى شعر يضاف إليه أنه لقيها فى ليلة مظلمة وهو يسعى فى فلاة، فنازلها وما زال بها حتى قتلها وهو لا يعرفها، يقول (٢) -إن صح أنه قائله-:

فلم أنفكّ متكئا عليها ... لأنظر مصبحا ماذا أتانى

إذا عينان فى رأس قبيح ... كرأس الهرّ مشقوق اللسان

وساقا مخدج وشواة كلب ... وثوب من عباء أو شنان (٣)

وهؤلاء الوثنيون كانوا ينكرون الرسل وأن هناك إلها واحدا قال جل وعز:

{وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ، وَاِنْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ اِمْشُوا وَاِصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ}


(١) انظر الحيوان ١/ ١٨ وما بعدها
(٢) الأغانى ١٨/ ٢١٢.
(٣) مخدج: ناقص الخلق، الشواة: الأطراف، الشنان: جلد القربة البالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>