ولا نصل إلى أواخر العصر الجاهلى حتى نجد استعدادا لفكرة الإله الواحد، وخاصة عند طائفة كانت تدعى باسم الحنفاء، وكانت تشك فى الدين الوثنى القائم وتلتمس دينا جديدا يهديها فى الحياة. يقول ابن إسحق:
«اجتمعت قريش يوما فى عيد لهم عند صنم من أصنامهم كانوا يعظمونه وينحرون له ويعكفون عنده ويديرون (يطوفون) به، وكان ذلك عيدا لهم فى كل سنة يوما، فخلص منهم أربعة نفر نجيّا، ثم قال بعضهم لبعض: تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض قالوا أجل، وهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وعبيد الله ابن جحش. . . وعثمان بن الحويرث. . . وزيد بن عمرو بن نفيل. . . فقال بعضهم لبعض: تعلمون والله ما قومكم على شئ، لقد أخطأوا دين أبيهم إبراهيم، ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع، يا قوم التمسوا لأنفسكم دينا، فإنكم والله ما أنتم على شئ. فتفرقوا فى البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم، فأما ورقة بن نوفل فاستحكم فى النصرانية. . وأما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم. . وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم فتنصر. . وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل فى يهودية ولا نصرانية وفارق دين قومه، فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التى تذبح على الأوثان. . وقال أعبد ربّ إبراهيم» (١) ومعروف أنه أسلم وكان من الصحابة الأولين المقدمين.
وأكبر الظن أن كلمة حنيف معناها المائل عن دين آبائه كما يدل على ذلك اشتقاقها، ولم يكن هؤلاء الحنفاء فى مكة وحدها، فقد كانوا منتشرين فى القبائل، إذ تعدّ كتب الأدب والتاريخ منهم قس بن ساعدة الإيادى وأبا ذرّ الغفارى وصرمة