للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمساجد وزاد فى عطاء القواد والجند، أما جعفر فأقام بحضرة الرشيد وأرسل نوّابا عنه إلى أقاليم ولايته، إذ كان الرشيد لا يطيق صبرا على بعده عنه.

وظل يحيى البرمكى وابناه جعفر والفضل يلون أمور الدولة سبعة عشر عاما كانوا هم المتصرفين أثناءها فى جميع شئونها، وأتاح ذلك لهم أن يصبغوها بصبغة فارسية خالصة، حتى إذا كانت سنة سبع وثمانين ومائة نكبهم الرشيد نكبتهم المشهورة، إذ أمر بقتل جعفر وحبس أبيه وإخوته ما عدا محمدا، ومات يحيى والفضل ابنه محبوس. واختلف المؤرخون وأصحاب السير فى هذه النكبة، فرّدها بعضهم إلى أسباب شخصية، وردّها ثانون إلى أنهم جردوا الرشيد من كل سلطان وكل أمر ونهى، وردّها ثالثون إلى أن الرشيد وقف على ما كانوا يبطنونه من الزندقة، ويظهر أن سببها الحقيقى يرجع إلى إطلاق جعفر لعلوى ثائر من محبسه، هو يحيى ابن عبد الله، كان قد استأمنه الرشيد عليه، فلم يوفّ أمانته (١).

ونمضى إلى عصر المأمون فنجد أسرة بنى سهل الفارسية تتقلد منصب الوزارة له، وتمكّن بدورها للتقاليد الفارسية فى الحكم، وكان أول من وليها منهم الفضل ابن سهل الملقب بذى الرياستين: رياسة السيف والقلم، وكان قهرمانا ليحيى بن خالد البرمكى يلى شئون بيته، أما أبوه سهل فكان مجوسيّا وأسلم. وقد لزم المأمون منذ حياة أبيه الرشيد ودبّر أموره حتى أفضت الخلافة إليه فاستوزره، ويروى الرواة أنه كان إذا دخل عليه وهو لا يزال بمرو «يجلس على كرسى مجنّح ويحمل فيه، فلا يزال يحمل حتى تقع عين المأمون عليه، فإذا وقعت وضع الكرسى ونزل عنه، فمشى. وحمل الكرسى حتى يوضع بين يدى المأمون، ثم يسلّم، ويعود فيقعد على الكرسى. وإنما ذهب ذو الرياستين فى ذلك إلى مذهب الأكاسرة فإن وزيرا من وزرائها كان يحمل فى مثل ذلك الكرسى ويقعد بين أيديها عليه». (٢)

فحتى تقاليد وزراء الساسانيين فى دخولهم على الأكاسرة وجلوسهم بين أيديهم كانت تحاكى محاكاة دقيقة. وكان من رسم ملوك الفرس أن يلبس أهل كل طبقة ممن فى خدمتهم لبسة لا يلبسها أحد ممن فى غير تلك الطبقة، فإذا وصل الرجل


(١) انظر الطبرى ٦/ ٤٨٤ وما بعدها والمسعودى ٣/ ٢٨٤ والجهشيارى ص ٢٠٦، ٢١٣، ٢٢٤، ٢٤٣، ٢٥٤ وابن الطقطقى ص ١٥٦.
(٢) الجهشيارى ص ٣١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>