للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوزارة لم تتمهد قواعدها وتتقرر قوانينها إلا فى دولة بنى العباس، فأما قبل ذلك فلم تكن مقنّنة القواعد ولا مقررة القوانين، بل كان لكل واحد من الملوك أتباع وحاشية، فإذا حدث أمر استشار ذوى الحجى والآراء الصائبة، فكل منهم يجرى مجرى وزير. فلما ملك بنو العباس تقررت قوانين الوزارة وسمى الوزير وزيرا وكان قبل ذلك يسمّى كاتبا أو مشيرا» (١).

وقلما نجد للعباسيين وزيرا غير فارسى، وهو شئ طبيعى، إذ كانوا هم الذين يستأثرون بشئون الخلافة ويرقون إلى أعلى المناصب، وقد أحكموا للعباسيين هذا النظام وصاغوه صياغة على قوانينه الساسانية. وأول من اتخذه العباسيون وزيرا منهم أبو سلمة الخلاّل حتى إذا قضى نحبه اتخذ السفاح بعده خالد بن برمك، وكان قد جلّى تحت لواء أبى مسلم فى حروبه ضد بنى أمية، وأظهر بسالة وحنكة حربية. وهو ينحدر من أسرة كانت تقوم على سدانة معبد النوبهار البوذى فى بلخ. واتصلت وزارته فى عهد المنصور وناط به حكم بعض الولايات وقيادة بعض الجيوش فأظهر كفاءة نادرة، وولى ابنه يحيى أذربيجان فنهض بولايتها خير نهوض. وولى المهدى بعد أبيه المنصور، فاستدعى يحيى إلى بغداد ووصله بابنه هرون كاتبا له ومستشارا، وتوفّى المهدى وولى بعده ابنه الهادى، فحاول أن يخلع أخاه هارون عن ولاية العهد، غير أن يحيى البرمكى عرف بسعة حيلته كيف يصرفه عن فكرته، وكان لذلك وقع حسن فى نفس الرشيد، حتى إذا صارت الخلافة إليه خاطبه بالأبوة إجلالا له قائلا: «يا أبت أنت أجلستنى هذا المجلس ببركة رأيك وحسن تدبيرك وقد قلّدتك أمر الرعية وأخرجته من عنقى إليك فاحكم بما ترى واستعمل من شئت واعزل من رأيت، وافرض (اعط راتبا) لمن رأيت، وأسقط من رأيت، فإنى غير ناظر معك فى شئ» (٢) ودفع إليه خاتم الخلافة، فصار بيده الحلّ والعقد، فقلّد ابنه الفضل المشرق كله من النّهروان إلى أقصى بلاد الترك، وقلّد ابنه جعفرا المغرب كله من الأنبار إلى إفريقية (٣). وشخص الفضل إلى عمله فأزال ما وقع على الناس من ظلم وبنى الحياض


(١) ابن الطقطقى ص ١١٠ وما بعدها.
(٢) الجهشيارى ص ١٧٧ والمسعودى ٣/ ٢٥٧.
(٣) الجهشيارى ص ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>