للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوجه إليه المنصور أبا مسلم الخراسانى فى جيش جرار، فهزمه هزيمة منكرة فرّ على إثرها إلى البصرة عند أخيه سليمان بن على واليها، فأخذ يستعطف له هو وأخوه عيسى ابن على والى الأهواز المنصور حتى رضى أن يكتب له كتاب أمان، وتولى ابن المقفّع كتابته فشدد فيه العهد والميثاق على المنصور حتى أحفظه عليه. ومازال المنصور يمكر بعمه حتى وفد على بابه، فحبسه مدة إلى أن مات فى حبسه (١).

ولم يكن همّ المنصور بعد القضاء على ثورة عمه إلا أخذ أبى مسلم الخراسانى وكان قد عزم بعد هزيمته لعبد الله بن علىّ أن يعود إلى خراسان، وخشى المنصور أن تحدثه نفسه بخلعه حين يرجع إلى موطنه، إذ كان كل منهما يجد على صاحبه موجدة شديدة، فكتب إليه بالقدوم عليه، وخشى أبو مسلم مغبة قدومه، فكتب إليه بالطاعة وأنه متوجه إلى خراسان. وقلق المنصور، وكان مدبرا داهية، فكتب إليه يؤكد له حسن رأيه فيه ذاكرا خدماته لدولتهم، وأرسل له رسلا يزينون له المثول بين يديه، فما زالوا به حتى قدم عليه، وكان بالقرب من المدائن، فلما دخل إليه لقيه بالتوبيخ والتقريع، ولم يلبث أن قتله، وبادر إلى من كانوا معه من القواد فأعطاهم جوائز سنية وفرّق فى جنده أموالا كثيرة، فرضخوا للواقع ورضوا به (٢).

وغضب أتباع أبى مسلم فى خراسان حين علموا بمصيره، ولم يلبث أن ظهر بينهم سنباذ، فقادهم معلنا أن أبا مسلم لم يمت وإنما اختفى وسيعود ليرفع الظلم وينشر العدل، وتابعه كثيرون مكونين فرقة المسلمية أو الخرّمية (٣)، وقدم بهم إلى الرّى فغلب عليها، والتقى به المنصور بن جمهور العجلى فى جيش كثيف، فقضى عليه وعلى ثورته (٤)، ولكنه لم يقض على عقيدة فرقته، فقد أخذت تسرى فى نفوس كثير من الخراسانيين والايرانيين مختلطة بالعقائد المزدكية.

وكان السفاح قد جعل ولاية العهد بعد المنصور لعيسى بن موسى فرأى المنصور أن يحولها عنه إلى ابنه المهدى وما زال به حتى خلع نفسه منها، فصيّرها فى ابنه،


(١) الجهشيارى ص ١٠٣ واليعقوبى ٣/ ١٠٤ والطبرى ٦/ ١٢٤، ١٤٥، ٢٦٩ والمسعودى ٣/ ٢٣٠ والنجوم الزاهرة ٢/ ٧.
(٢) طبرى ٦/ ١٣٠ واليعقوبى ٣/ ١٠٢ والمسعودى ٣/ ٢١٧.
(٣) انظر فى الخرمية وعقيدتهم المسعودى ٣/ ٢٢٠ والفرق بين الفرق (طبع مصر) ص ٢٥١.
(٤) الطبرى ٦/ ١٤٠ والمسعودى ٣/ ٢٢٠ وابن الطقطقى ص ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>