للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشعراء ويميل إلى أهل الأدب والفقه» (١) وكان إذا لم يحجّ أحجّ ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الباهرة، وكان يتصدّق من صلب ماله فى كل يوم بألف درهم بعد زكاته (٢)، وكانت أيامه تشبّه بأيام العروس لما امتازت به من بهاء وجمال.

ولم تخل أيامه من الفتن والثورات، وقد ذكرنا آنفا ما كان من حركات بعض العلويين والخوارج، وفى عهده هاجت العصبية بالشام بين اليمنية والمضرية وأطفأ نائرتها جعفر بن يحيى البرمكى (٣)، وثار أهل الحوف بمصر وقضى على ثورتهم هرثمة بن أعين كما قضى على ثورة أخرى بإفريقية (٤). وثار المحمّرة بجرجان وفضّ جموعهم على (٥) بن عيسى بن ماهان، وانتقض الخزر فى انقوقاز وأرمينية وقلم أظافرهم خازم (٦) بن خزيمة ويزيد بن مزيد الشيبانى. وثار الخرّمية بأذربيجان وعصف بهم عبد الله (٧) بن مالك، وثارت بلاد الزاب جنوبى الجزائر، وأعاد الأمن إلى نصابه هناك إبراهيم بن الأغلب فكافأه الرشيد بكتابة عهد له على إفريقية نظير خراج يؤديه سنويّا، فأنشأ هناك دولة الأغالبة، واتخذ حاضرة له «العباسة» التى بناها جنوبى القيروان.

وامتنع نقفور إمبراطور بيزنطة عن أداء الجزية التى فرضت على بلاده فى عهد المهدى، كما أسلفنا، ولم يكتف بذلك فقد كتب إلى الرشيد يطالبه برد ما أدّوه منها فى السنوات الماضية، وكتب إليه الرشيد على ظهر كتابه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من هرون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام (٨)» وشخص إليه على رأس حملة قوية اخترق بها آسيا الصغرى وغنم مغانم كثيرة وافتتح هرقلة، فارتاع نقفور وفزع فزعا شديدا وتعهد بأداء الجزية صاغرا (٩). ورأى الرشيد-فيما يقال-أن يصطنع شارلمان ملك الفرنجة فى غربى أور با حتى يؤيده ضد إمبراطور


(١) ابن الطقطقى ص ١٤٣.
(٢) طبرى ٦/ ٥٣٠.
(٣) الجهشيارى ص ٢٠٨ والطبرى ٦/ ٤٥٧، ٤٦٦.
(٤) طبرى ٦/ ٤٦١.
(٥) طبرى ٦/ ٤٦٦.
(٦) طبرى ٦/ ٤٧١.
(٧) طبرى ٦/ ٥٢٤ والنجوم الزاهرة ٢/ ١٣٩.
(٨) طبرى ٦/ ٥٠١.
(٩) طبرى ٦/ ٥٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>