للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى عهد المهدى أغار الروم على سميساط (١) ونكّلوا بأهلها، فجرّد إليهم جيشا ضخما بقيادة العباس بن محمد فبلغ أنقرة. وتوالى غزو الروم حتى إذا كانت سنة ١٦٣ تولى هرون الرشيد قيادة الجيوش الغازية، فعصف بهم عصفا، حتى إذا كانت سنة ١٦٥ بلغ خليج القسطنطينية دون مقاومة تذكر، وامتلأ الروم هولا ورعبا وفزعا، فتعهدوا أن يؤدوا الجزية كل عام سبعين ألف دينار وهم صاغرون (٢).

ومما يؤثر للمهدى إجراؤه الرواتب على المجذّمين. وتوفى سنة ١٦٩ فخلفه ابنه الهادى، وسار على سنته فى تتبع الزنادقة وقتلهم، وفى عهده خرج دحية بن المصعب ابن الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان بناحية أهناس فى صعيد مصر وملك أكثر بلاده، وهزم جيوش الولاة مرارا، وأخيرا قضى عليه فى سنة ١٦٩ (٣). واعتزم الهادى خلع الرشيد من ولاية عهده، ولكن يحيى البرمكى عرف-كما قدمنا-كيف يصرفه عن ذلك، وسرعان ما توفى بعد أربعة عشر شهرا من خلافته.

وولى الرشيد سنة ١٧٠ وامتدت خلافته إلى سنة ١٩٣ ويعدّ عصره العصر الذهبى للخلافة العباسية بما بلغته من أبهة الملك وفخامته، ولا تزال ذكراه حيّة فى نفوس العرب إلى اليوم، وربما كان للقصص المحكية عنه فى «ألف ليلة وليلة» أثر فى ذلك فإن مترجميها وواضعى بعض قصصها رأوا أن يدخلوه فى ثنايا القصص حتى يصوروا ما بلغته بغداد من الرّفه والترف والبذخ. وحفلت حينئذ بالعلماء من كل صنف والمترجمين والأطباء والشعراء والمغنين والمغنيات والجوارى من كل جنس وعلى كل لون. وكان الرشيد كلفا بالسماع والمتاع بنعيم الحياة مع إعطاء الدين حقوقه، يقول ابن الطقطقى: «كان الرشيد من أفاضل الخلفاء وفصحائهم وعلمائهم وكرمائهم، وكان يحج سنة ويغزو سنة كذلك مدة خلافته إلا سنين قليلة، وكان يصلى فى كل يوم مائة ركعة، وحجّ ماشيا، وكان إذا حجّ حجّ معه مائة من الفقهاء وأبنائهم. . ولم ير خليفة أسمح منه بالمال، وكان يحب الشعر


(١) سميساط: مدينة غربى الفرات فى طرف بلاد الروم.
(٢) اليعقوبى ٣/ ١٣٥ والطبرى ٦/ ٣٧٩ والنجوم الزاهرة ٢/ ٤٧.
(٣) اليعقوبى ٣/ ١٣٧ والنجوم الزاهرة ٢/ ٤٩، ٥٠، ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>