للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الإسكندرية، فدخلها فى ربيع الأول سنة ٢١١ وهزم عبيد الله بن السرى وأعاد الأمن إلى نصابه، وأكره الأندلسيين على الانسحاب إلى جزيرة إقريطش (كريت) فنزلوها واستوطنوها لسنة ٢١٢، وعاد ابن طاهر إلى بغداد فى رجب من نفس السنة واستخلف عليها عيسى بن يزيد الجلودى فأقرّه المأمون على إمرتها، وعزله فى السة التالية وولّى عليها أخاه المعتصم، فاستخلف عليها عمير بن الوليد، وثار عليه القيسية واليمنية، وخرج لحربهم بالحوف فى ربيع الأول لسنة ٢١٤ غير أنه قتل فى المعركة، فاستخلف عليها المعتصم عيسى بن يزيد الجلودى ثانية، واشتبك مع اليمنية والقيسية وهزموه هزيمة منكرة، فخرج إليها المعتصم بنفسه، فقمع ما بها من فساد، وعاد إلى الموصل. وثار القبط فى مستهل سنة ٢١٦ وقضى على ثورتهم الأفشين، غير أن الفتن ظلت قائمة بمصر حتى دخلها المأمون لخمس خلون من المحرم سنة ٢١٧ فمهّدها ورتب أحوالها واستقرت، وقد ظل بها تسعة وأربعين يوما.

وكانت قد اندلعت فى أذربيجان منذ سنة ٢٠١ ثورة عنيفة للخرمية بقيادة بابك، فوجّه إليه المأمون محمد بن حميد الطوسى سنة ٢١٢ فواقعه مرارا منكّلا به وبأنصاره، حتى إذا كانت سنة ٢١٤ خانه الحظ فى بعض معاركه معه، فخرّ صريعا (١)، وكان لذلك رنّة حزن عميقة فى العالم العربى جعلت الشعراء يبكونه طويلا. وبعث المأمون إلى بابك من بعده على بن هشام وخالد بن يزيد الشيبانى، فاشتبكا معه فى غير موقعة، ولكنهما لم يستطيعا القضاء عليه. وعلم المأمون أن إمبراطور بيزنطة يعين بابك فى حروبه، فاستشاط غضبا، وأخذ منذ سنة ٢١٥ يقود بنفسه حملات عنيفة ضده وضد البيزنطيين (٢)، يتقدمه قواده من أمثال أخيه المعتصم والأفشين وخالد بن يزيد الشيبانى وجعفر الخياط، ومضى فى بعض حملاته حتى بلغ أنقرة، فارتعدت فرائص تيوفيل إمبراطور بيزنطة وطلب الصلح والمهادنة، غير أن المأمون ظل يوالى حملاته حتى إذا كان فى آخر حملة له سنة ٢١٨ نزل به مرض شديد، ولم يلبث أن لبّى نداء ربه فى موضع يسمّى «البدندون»


(١) اليعقوبى ٣/ ١٩٠ والطبرى ٧/ ١٨٩ والنجوم الزاهرة ٢/ ٢٠٩.
(٢) انظر الطبرى ٧/ ١٨٩ وما بعدها واليعقوبى ٣/ ١٩٣ والنجوم الزاهرة فى السنوات ٢١٥ - ٢١٨ وكتاب العرب والروم لفازيلييف (نشر دار الفكر العربى) ص ٨٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>