للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال إنه أهداها من الجوهر ما لم تملك واحدة مثله (١). وكان المأمون كثير الإغداق على حاشيته حتى قالوا إنه فرق فى ساعة واحدة أربعة وعشرين ألف ألف درهم (٢)، ويروى ابن تغرى بردى أنه أمر يوما لكل من ابنه العباس وأخيه المعتصم وعبد الله ابن طاهر بخمسمائة ألف دينار، وعجب ابن تغرى بردى من تفريقه هذه المبالغ الطائلة، فعقب على ذلك بقوله: لعل الدينار يوم ذلك لم يكن مثل دينارنا اليوم (٣) وكأنما ذهب عن ابن تغرى بردى أن أموال الدولة كلها كانت فى أيدى المأمون وسابقيه وتاليه يبذلونها للناس حسب مشيئتهم وينثرونها عليهم نثرا.

ونافسهم الوزراء فى هذا البذل الواسع، وللبرامكة فيه ما ليس لأحد، حتى ليقال إنه لم يكن يرى لجليس خالد البرمكى دار إلا وخالد بناها له، ولا ضيعة إلا وخالد ابتاعها له، ولا دابة إلا وخالد حمله عليها (٤)، وصنيع ابنه يحيى وولديه جعفر والفضل فى هذا الباب فوق صنيعه درجات، فقد كانت بأيديهم خزائن الدولة لعهد الرشيد، فملأوا منها أيدى العلماء والأطباء والمترجمين والمغنين والشعراء بالأموال، بل بالثروات الضخمة، على نحو ما يحكى من أنهم أعطوا إبراهيم الموصلى يوما ستمائة ألف درهم وضيعة بمائة وستين ألفا (٥)، وأعطى يحيى البرمكى يوما ابنه إسحق مائة ألف درهم ليبتاع بها دارا وأعطاه ابنه جعفر مائة ألف لفرشها، وأعطاه ابنه الفضل مائة ألف لزخرفتها، وأعطاه ابنه محمد مائة ألف رابعة لنفقتها (٦)، وبلغ-فيما يقال-ما أعطوه لسلم الخاسر الشاعر عشرين ألف دينار (٧)، وكأنهم كانوا يبارون فيه الرشيد. وكان ينافسهم فى هذا البذل الواسع الفضل بن الربيع وبنو سهل وكبار الولاة والقواد من أمثال معن بن زائدة وابن أخيه يزيد بن مزيد الشيبانى وابنه خالد ويزيد بن حاتم المهلبى وأخيه روح ومحمد بن حميد الطوسى وأبى دلف العجلى، وآل طاهر وفى مقدمتهم طاهر نفسه، ويقال إن صلاته بلغت يوما ألفى درهم وسبعمائة ألف وأن ابنه عبد الله تجاوز بصلاته يوما هذا الرقم، بل لقد ضاعفه إذ بلغ به أربعة آلاف ألف درهم وسبعمائة ألف (٨).


(١) أغانى (ساسى) ١٥/ ١٣٨.
(٢) طبرى ٧/ ٢١٢.
(٣) النجوم الزاهرة ٢/ ٢٠٥.
(٤) الجهشيارى ص ١٥٠.
(٥) أغانى (طبعة دار الكتب) ٥/ ٣٨.
(٦) أغانى ٥/ ٣٠٨ وما بعدها.
(٧) أغانى (ساسى) ٢١/ ٧٧.
(٨) النجوم الزاهرة ٢/ ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>