للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد ظل العرب الشماليون بعيدين عنهم وعن دينهم، لا يتأثرون به فى قليل ولا كثير، وإن حاول بعض المستشرقين إثبات هذا التأثير (١).

وقد انتشرت النصرانية فى اليمن وشمالى الجزيرة الغربى والشرقى (٢)، ويظنّ أن انتشارها فى اليمن بدأ منذ القرن الرابع الميلادى، وكان من أهم الأسباب فى انتشارها هناك بعثات دينية كان يشجعها القياصرة، ولعلهم أرادوا بذلك النفوذ إلى فرض سلطانهم على البلاد وتحول كنوز قوافلها إليهم. ولا نصل إلى العصر الجاهلى حتى نرى النصرانية منتشرة فى نجران وغيرها ويظهر أن نجران كانت أهم مواطنها، وقد نكبهم ذو نواس نكبته المشهورة التى أشرنا إليها فيما أسلفنا، ودخل الأحباش بقيادة أبرهة، فدعمت النصرانية واعتنقها كثيرون، وبنيت لها كنائس فى غير مدينة.

ومن أشهر كنائسها كنيسة نجران، وفى السيرة النبوية أن وفدا منها قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم وكان فيه العاقب والسيد، وهما الرئيسان السياسيان كما كان فيه أسقفهم وحبرهم أبو حارثة بن علقمة، وكان «قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه بدينهم، فكانت ملوك الروم من النصرانية قد شرفوه وموّلوه وأخدموه وبنوا له الكنائس (٣)». ويقال إن أبرهة أنشأ كنائس كثيرة فى مدن اليمن، واهتم بزينتها وزخرفتها، أشهرها القليس فى صنعاء، وهى تعريب لكلمة Ecclysia اليونانية بمعنى الكنيسة، ويقال إنه «نقشها بالذهب والفضة والزجاج والفسيفساء وألوان الأصباغ وصنوف الجواهر. . وكان ينقل إليها آلات البناء كالرخام المجزّع والحجارة المنقوشة بالذهب. . ونصب فيها صلبانا من الذهب والفضة ومنابر من العاج والآبنوس (٤)». ويظهر أنه استعان فى بنائها بأنقاض من قصور ملوكهم السابقين ومعابدهم القديمة. وقد حولها المسلمون إلى مسجد لا يزال قائما إلى اليوم.

وكانت النصرانية منتشرة بين عرب الشام من الغساسنة وغيرهم مثل عاملة وجذام وتغلب وقضاعة، وكانوا على مذهب اليعاقبة أو المنوفيستيين، وهم القائلون بأن


(١) انظر جواد على ٦/ ٩١ وما بعدها وكذلك ص ١٧٧ وما بعدها.
(٢) انظر فى النصرانية بجزيرة العرب تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على، الجزء السادس، والنصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية للويس شيخو.
(٣) انظر وفد نجران فى سيرة ابن هشام ٢/ ٢٢٢.
(٤) مادة القليس فى معجم البلدان لياقوت وتفسير الطبرى ٣٠/ ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>