للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما المهدى فأصابه وأما على بن سليمان فأصاب كلبا كان قد أرسل عليه وقتلاهما جميعا، فقال أبو دلامة متندّرا (١):

قد رمى المهدىّ ظبيا ... شكّ بالسهم فواده

وعلىّ بن سليما ... ن رمى كلبا فصاده

فهنيئا لهما ك‍ ... لّ امرئ يأكل زاده

وشغف بالصيد كل من جاء بعد المهدى من الخلفاء (٢)، وكان يشغف به الفضل بن يحيى البرمكى شغفا شديدا (٣).

وكان للعامة ملاهيهم وفى مقدمتها الفرجة على القرّادين والحوّائين، وكانوا يتجمعون حول قصّاص يطرفونهم بحكايات خيالية، كما كانوا يتجمعون حول طائفة من الحكّائين الذين كانوا يحكون فى دقة لهجات سكان بغداد ونازليها من الأعراب والنبط والخراسانيين والزنوج والفرس والهنود والروم، ويصور الجاحظ عملهم، فيقول: «إنا نجد الحاكية من الناس يحكى ألفاظ سكان اليمن مع مخارج كلامهم لا يغادر من ذلك شيئا وكذلك تكون حكايته للخراسانى والأهوازى والزّنجى والسّندى والأحباش وغير ذلك، نعم حتى تجده كأنه أطبع منهم، فإذا ما حكى كلام الفأفاء فكأنما قد جمعت كل طرفة فى كل فأفاء فى الأرض فى لسان واحد، وتجده يحكى الأعمى بصور ينشئها لوجهه وعينيه وأعضائه لا تكاد تجد من ألف أعمى واحدا يجمع ذلك كله، فكأنه قد جمع جميع طرف حركات العميان فى أعمى واحد، ولقد كان أبو دبّوبة الزنجى مولى آل زياد يقف بباب الكرخ بحضرة المكارين، فينهق، فلا يبقى حمار مريض ولا هرم حسير ولا متعب بهير إلا نهق، وقبل ذلك تسمع نهيق الحمار على الحقيقة فلا تنبعث لذلك، ولا يتحرك منها متحرك حتى كان أبو دبّوبة فيحركها، وقد كان جمع جميع


(١) أغانى ٦/ ٢٤٠ والمسعودى ٣/ ٢٩٧ وابن الطقطقى ص ١٣١، ١٣٣.
(٢) انظر المصايد والمطارد لكشاجم (طبع دار المعرفة ببغداد) ص ٣ وما بعدها والجهشيارى ص ١٧٣ والطبرى ٦/ ٤٩٤ والأغانى ٥/ ٣٤٤، ٤١٨، ٧/ ١٥٨.
(٣) المسعودى ٣/ ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>