للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما نصل إلى العصر العباسى حتى نجد القصور فى بغداد وغيرها من بلدان العالم الإسلامى تكتظ بهم، ومن المؤكد أن المسلمين لم يكونوا هم الذين يقومون بهذا العمل البغيض من الحضارة، إنما كان يقوم بذلك اليهود والنصارى متحملين وزره وإثمه.

وقد اشتهر الأمين بكلفه بهم كلفا شديدا حتى تندر عليه معاصروه (١).

وكان رقيق النساء من الجوارى أكثر عددا من رقيق الرجال فقد ذخرت بهن الدور والقصور، إذ أحلّ الإسلام للشخص أن يتملك من الإماء والحوارى ما شاء، وبينما قيّد حريته إزاء الحرائر فحرّم عليه أن يتزوج منهن بأكثر من أربع أطلق حريته إزاء الجوارى فلم يقيّده بعدد منهن، وإن كان قد حرم عليه بيع من يستولدها وردّ إليها حريتها بعد وفاته وجعل أولاده منها أحرارا منذ ولادتهم. وكان الرجال بعامة يفضلونهن على الحرائر، لأنهن كن من أجناس مختلفة، فمنهن السنديات والفارسيات والحبشيات والخراسانيات والأرمنيات والتركيات والروميات، وأيضا ربما كان للحجاب دخل فى ذلك، فقد كانوا لا يرون من يريدون الاقتران بهن من الحرائر، أما الجوارى فكن معروضات بدور النخاسة تحت أعينهم، فكانوا يختارونهن حسب مشيئتهم وهواهم، وصوّر ذلك الجاحظ فقال: «قال بعض من احتجّ للعلة التى من أجلها صار أكثر الإماء أحظى عند الرجال من أكثر المهيرات أن الرجل قبل أن يملك الأمة قد تأمّل كل شئ منها وعرفه ما خلا حظوة الخلوة، فأقدم على ابتياعها بعد وقوعها بالموافقة، والحرّة إنما يستشار فى جمالها النساء، والنساء لا يبصرن من جمال النساء وحاجات الرجال وموافقتهن لا قليلا ولا كثيرا، والرجال بالنساء أبصر، وإنما تعرف المرأة ظاهر الصفة، وأما الخصائص التى تقع بموافقة الرجال فإنها لا تعرف ذلك. وقد تحسن المرأة أن تقول كأن أنفها السيف وكأن عينها عين غزال وكأن عقها إبريق فضة وكأن ساقها جمّارة وكأن شعرها العناقيد وكأن أطرافها المدارى وما أشبه ذلك، وهناك أسباب أخربها يكون الحب والبغض» (٢).

وكانت هؤلاء الجوارى والإماء من أجناس وثقافات وديانات وحضارات مختلفة، فأثّرن آثارا واسعة فى أبنائهن ومحيطهن، وهى آثار امتدت إلى قصر الخلافة وعملت فيه عملا بعيد الغور، فقد كان أكثر الخلفاء من أبنائهن، فالمنصور


(١) طبرى ٧/ ١٠١، ١١٠.
(٢) رسائل الجاحظ (طبعة السندوبى) ص ٢٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>