للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مما نقله عبد الله بن المقفع وغيره وترجمه من الفارسية والفهلوية إلى العربية وما صنّف من ذلك ابن أبى العوجاء وحماد عجرد ويحيى بن زياد ومطيع بن إياس من تأييد المذاهب المنانية (١) والديصانية والمرقيونية، فكثرت بذلك الزنادقة وظهرت آراؤهم فى الناس» (٢) ويقول الجاحظ: «لولا متكلمو النصارى وأطباؤهم ومنجموهم ما صار إلى أغبيائنا وظرفائنا ومجّاننا وأحداثنا شئ من كتب المنّانية والدّيصانية والمرقيونية. .

ولكانت تلك الكتب مستورة عند أهلها ومخبّأة فى أيدى ورثتها فكل سخنة عين رأيناها فى أحداثنا وأغبيائنا فمن قبلهم كان أولها» (٣).

ولم ينصب المهدى وخلفاؤه للزنادقة حرب السيف وحدها، فقد نصبوا لهم أيضا حرب اللسان: لسان المتكلمين انذين مضوا يجادلونهم ويفحمونهم وينقضون شبهاتهم بالبرهان القاطع والدليل الساطع، وصنفوا فى ذلك الرسائل والكتب الطوال، ومن يقرأ كتاب الحيوان للجاحظ يجده يتوقف كثيرا ليورد ردّ النظام وغيره من المتكلمين على هؤلاء الزنادقة وكيف كانوا يسددون إليهم أدلة مصمية رادعة، وكان للمعتزلة فى ذلك القدح المعلّى، فهم الذين عاشوا يناظرونهم ويدفعون شرهم عن العامة والخاصة موضحين ما فى شبههم من زيف وتمويه وما فى عقائدهم من فساد ومناقضة للعقل المنطقى السليم.

وقد قتل كثيرون من رءوس الزنادقة لهذا العصر، يتقدمهم ابن المقفع الذى قتل لعهد المنصور، وفيه يقول المهدى: «ما وجدت كتاب زندقة قط إلا وأصله ابن المقفع (٤)» وقتل منهم كثيرون لعهد المهدى، منهم-فى بعض الروايات- صالح بن عبد القدوس (٥)، وكان يعتنق المانوية، ويحاضر فيها ويناظر فقتل وصلب على الجسر ببغداد (٦) نكالا للناس وعظة، ومنهم بشار وكان يعلن إشادته بالنار معبودة قومه المجوس ويفضلها على الطين كما يفضل إبليس على الإنسان، وبلغ من تحمس المهدى لقتله أن خرج بنفسه إلى البصرة ليشهد مقتله (٧). وكانت


(١) النسبة إلى مانى إما منانى أو مانوى.
(٢) المسعودى ٤/ ٢٤٢.
(٣) ثلاث رسائل للجاحظ ص ٢٠.
(٤) أمالى المرتضى (طبعة الحلبى) ١/ ١٣٤.
(٥) يجزم ابن المعتز بأنه قتل فى عهد الرشيد.
(٦) أمالى المرتضى ١/ ١٣٤ وانظر ترجمته فى تاريخ بغداد ٩/ ٣٠٣.
(٧) أغانى (طبعة دار الكتب) ٣/ ٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>