للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النّسّاك مقدمات نزعة التصوف متمثلة فى شيوخ كثيرين، فى مقدمتهم إبراهيم ابن أدهم البلخىّ المتوفى سنة ١٦٠ ورابعة العدوية المتوفاة بالبصرة سنة ١٨٠ وشقيق البلخى تلميذ ابن أدهم المتوفى سنة ١٩٤ ويقال إنه أول من تكلم فى التصوف وعلوم الأحوال بكورة خراسان وأن له يدا طولى فى إشاعة مبدأ التوكل (١). ومن مشهوريهم معروف الكرخى من أهل كرخ بغداد المتوفى سنة ٢٠٠ ومن مأثور كلامه: «من كابر الله صرعه، ومن نازعة قمعه، ومن ماكره خدعه، ومن توكل عليه منعه ومن تواضع له رفعه» (٢). ومن مشهوريهم أيضا عبدك الكوفى وأبو سليمان الدارانى الشامى المتوفى سنة ٢٠٥ وبشر بن الحارث الحافى الخراسانى نزيل بغداد المتوفى سنة ٢٢٧ وكان يقول: «الجوع يصفى الفؤاد ويميت الهوى ويورث العلم الدقيق، والمتقلّب فى جوعه كالمتشحط فى دمه فى سبيل الله، وإذا أعجبك الكلام فاصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلّم (٣)». وتلقانا من هؤلاء المتصوفة جماعة بمصر على رأس المائتين (٤).

وينبغى أن لا نبالغ فنزعم أن التصوف نضج فى هذا العصر، إنما أخذت مقدماته فى البروز والظهور، أما تكونه التام فقد حدث فى العصر التالى، أما فى هذا العصر فقد تفتحت تباشيره الأولى، وقد حاول بعض المستشرقين أن يربط ربطا وثيقا بين زهد هؤلاء النّسّاك وبين زهد الرهبان المسيحيين الذين كانوا منتشرين فى العالم الإسلامى وخاصة فى العراق والشام ومصر (٥)، ونحن لا نمنع التأثر العام، ولكن ينبغى أن يستقر فى نفوسنا أن الزهد الإسلامى يختلف عن الزهد المسيحى فى جوهره إذ الزهد عند المسيحيين ورهبانهم يقوم على أساس من فكرة الخطيئة، والإسلام لا يقرّ هذه الفكرة ولا ما تؤدى إليه من تعذيب الجسد، فإن لبدن المسلم عليه حقّا، ومن أجل ذلك نهى الإسلام عن العزوبة، بينما دعت إليها المسيحية.

وقد حاول جولد تسيهر أن يربط بين مقدمات نزعة التصوف الإسلامية وبين


(١) النجوم الزاهرة ٢/ ٢١ وانظر فى تاريخ وفاته ٢/ ١٤٦.
(٢) النجوم الزاهرة ٢/ ١٦٧.
(٣) النجوم الزاهرة ٢/ ٢٥٠.
(٤) كتاب الولاة والقضاة للكندى ص ١٦٠.
(٥) العقيدة والشريعة فى الإسلام لجولد تسيهر (طبعة دار الكاتب المصرى) ص ١٣١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>