وجعله كفارة عن كل ذنب كبير أو صغير، وكان كثير منهم حين يحرّرون يجدّون ويعتلون المناصب الكبرى فى الدولة.
وهذا الرقيق إنما كان قلة قليلة بالقياس إلى أحرار الموالى الذى كانت تتكون منهم الشعوب المفتوحة، وقد دخلت كثرتهم فى الإسلام، وامتزجوا بأهله من العرب ونعموا بما يكفل للناس من عدل ومساواة، وحقّا تعسف معهم الأمويون ولكن العباسيين ردوا الأمر إلى نصابه، بل لقد فسحوا للفرس كى يغلبوا على العرب فى تصريف شئون الدولة. وحتى من لم يسلم من الموالى: من المجوس والصابئة والنصارى أخذ يندمج فى المحيط العربى بفضل ما شرعه الإسلام لهم من حقوق اجتماعية وحرية دينية. وبذلك فتحت بينهم وبين المسلمين أبواب التعاون الوثيق-على مصاريعها- فى جميع شئون الحياة، وحقّا دخل جمهورهم الضخم فى الإسلام ولكن دون إكراه أو عنف أو عسف.
وبذلك استطاع الإسلام-بتعاليمه السمحة-أن يحدث امتزاجا قويّا بين العناصر المختلفة التى كانت تتألف منها الدولة العربية، وهو امتزاج لم يبلغه بامتلاك الأرض المفتوحة، إنما بلغه بامتلاك القلوب، فإذا الكثرة الكثيرة من الشعوب التى انبسط عليها سلطانه تسلم وإذا من بقوا على دينهم يشعرون تلقاء المسلمين وحكامهم بضرب من الأخوة الكريمة.
وقد أسرع من أسلموا من الشعوب المفتوحة جميعا إلى تعلم لغة القرآن الكريم والحديث النبوى، فلم يمض نحو قرن حتى أخذت العربية تسود فى كل أنحاء العالم الإسلامى لا بين المسلمين وحدهم، بل أيضا بين غيرهم ممن بقى على دينه القديم لا فى البيئات التى كانت قد أخذت تستعرب فى العصر الجاهلى: بيئات العراق والجزيرة والشام فحسب، بل أيضا فى البيئات النائية: فى إيران وخراسان ومصر وبلاد المغرب، وهى بيئات لم يكن لها بالعروبة عهد من قبل، فإذا هى تتعرّب وتتعرّب معها الأطراف الغربية للقارة الأوربية فى الأندلس.
وكان سكّان هذه البيئات يتكلمون لغات مختلفة، ففى إيران كانوا يتكلمون الفهلوية، وفى العراق والجزيرة كانوا يتكلمون الآرامية وما انبثق منها من النبطية والسريانية، وفى الشام كانوا يتكلمون اللغة الأخيرة ولغات سامية مختلفة، وفى مصر