للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو التجارة كأبى حنيفة وكان بزّازا، غير أن الكثرة وخاصة من علماء اللغة وأصحاب العلوم الدنيوية كانوا يتخذون علمهم حرفة لهم ومتجرا، بل لقد كان متجرا رابحا.

وكان من أهم الأسباب فى بلوغ الحركة العلمية غايتها من النهضة الواسعة استخدام الورق، إذ أخذ يعمّ منذ مفتتح هذا العصر وكانوا قبل ذلك يكتبون فى الجلود والقراطيس المصنوعة بمصر من ورق البردى. ولم يلبث الفضل بن يحيى البرمكى أن أنشأ فى عهد الرشيد مصنعا ببغداد للورق، ففشت الكتابة فيه لخفته وغلبت على الكتابة فى الجلود والقراطيس. وكان الإملاء حينئذ أعلى مراتب التعليم ولكن لم تلبث أن ظهرت المصنفات الكثيرة واحتيج معها إلى النسخ، فاتسعت صنعة الوراقة. وهى تحل فى هذا العصر محل الطباعة فى عصرنا الحديث، وقد مضى العلماء حينئذ يفيدون منها، فاتخذوا لأنفسهم ورّاقين ينقلون عنهم كتبهم ويذيعونها فى الناس مثل دماذ أبى غسان وراق (١) أبى عبيدة. وكان مما دفع لرواج الوراقة تنافس كثيرين على اقتناء الكتب واتخاذ المكتبات، وقد أقامت الدولة منذ عصر الرشيد مكتبة ضخمة هى دار الحكمة وعنيت فيها أشد العناية بالكتب المترجمة التى تحمل كنوز الثقافات الأجنبية، ولا ريب فى أن هذه المكتبة كانت جامعة كبرى لطلاب العلم والمعرفة.

وقد أخذ كثيرون من الأفراد يعنون باقتناء المكتبات، وكانوا يوظفون فيها بعض الوراقين للنسخ، من ذلك مكتبة إسحق بن سليمان العباسى وكانت تمتلئ بالكتب والأسفاط والرقوق والقماطير والدفاتر والمساطر والمحابر (٢)، وأضخم منها وأعظم مكتبة يحيى بن خالد البرمكى ويقال إنه لم يكن فى مكتبته كتاب إلا وله ثلاث نسخ (٣)، وربما فاق هذه المكتبة عظما وضخما مكتبة الواقدى المؤرخ المشهور المتوفى سنة ٢٠٧ وكانت تشتمل على ستمائة صندوق مملوءة بالكتب (٤) وكان له مملوكان يكتبان له ليلا ونهارا (٥).

ولعل فى ذلك ما يدل دلالة واضحة على أن الكتب أصبحت مادة أساسية


(١) الفهرست ص ٨١.
(٢) الحيوان ١/ ٦١.
(٣) الحيوان ١/ ٦٠.
(٤) معجم الأدباء ١٨/ ٢٨١.
(٥) الفهرست ص ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>