للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكسائى الكوفى واليزيدى البصرى بين يدى المهدى (١) وما يروى من مناظرة الكسائى وسيبويه بين يدى الرشيد أو بين يدى يحيى بن خالد البرمكى (٢). وكانت مجالس البرامكة ندوات كبيرة للمتكلمين والمتفلسفين من كل نحلة يتجادلون فيها ويتحاورون فى كل ما يعرض لهم من مسائل، وفى ذلك يقول المسعودى: «كان يحيى بن خالد البرمكى ذا بحث ونظر، وله مجلس يجتمع فيه أهل الكلام من أهل الإسلام وغيرهم من أهل النحل، فقال لهم يحيى وقد اجتمعوا عنده: قد أكثرتم الكلام فى الكمون والظهور والقدم والحدوث والإثبات والنفى والحركة والسكون والمماسّة والمباينة والوجود والعدم والجوهر والطفرة والأجسام والأعراض والتعديل والتجوير والكمية والكيف والمضاف والإمامة أنصّ هى أم اختيار وسائر ما توردونه من الكلام فى الأصول والفروع فقولوا الآن فى العشق على غير منازعة، وليورد كل منكم ما سنح له فيه وخطر بباله» (٣) ويورد المسعودى أطرافا من كلامهم وحوارهم فى العشق تصور كيف كانوا يفرّعون الأفكار ويستنبطونها ويشعبونها فى الموضوعات المختلفة التى كانت تمس مسائل الفلسفة وعلم الكلام ومذاهب الشيعة والسنة فى الإمامة

وكان مجلس المأمون ساحة واسعة للجدال والمناظرة، وكان مثقفا ثقافة واسعة عميقة بالعلوم الدينية واللغوية وبالفلسفة وعلوم الأوائل، فمضى يحول مجالسه فى دار الخلافة ببغداد إلى ندوات علمية تتناول كل فروع المعرفة وفى ذلك يقول يحيى بن أكثم: «أمرنى المأمون أن أجمع له وجوه الفقهاء وأهل العلم من بغداد، فاخترت له من أعلامهم أربعين رجلا وأحضرتهم وجلس لهم المأمون فسأل عن مسائل وأفاض فى فنون الحديث والعلم (٤)» ويمضى ابن أكثم فيقول: إنه لما انتهى ذلك المجلس طلب إلى المأمون أن أنوّع مجالسه بحيث تكون لكل طائفة من العلماء مجلس.

ويعرض طيفور فى كتابه بغداد كثيرا من هذه المجالس وما طرح فيها من موضوعات مختلفة للجدل والمناظرة. ويصور المسعودى ما عاد على الحركة العلمية من هذه الندوات التى غدت كأنها مجمع علمى كبير، فيقول: «قرّب المأمون إليه كثيرا


(١) مجالس العلماء للزجاجى ص ٢٨٨.
(٢) إنباه الرواة ٢/ ٢٧١.
(٣) مروج الذهب ٣/ ٢٨٦.
(٤) بغداد لطيفور ص ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>