للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجاشع صفرى، وبشار بن برد خليع ماجن، وحماد عجرد زنديق، وابن رأس الجالوت الشاعر يهودى، وابن نظير النصرانى متكلم، وعمرو بن أخت الموبذ مجوسى، وابن سنان الحرّانى الشاعر صابئى، فتتناشد الجماعة أشعارا وأخبارا» (١).

وواضح من هذين النصين كيف كان يلتقى أصحاب الملل والنحل والأهواء المختلفة فى المجالس، وكيف كانوا يثيرون كثيرا من المسائل التى تتصل بأهوائهم ونحلهم ومللهم ويتحاورون فيها حوارا طويلا. وكانت هناك مجالس أخرى للمتفلسفة والمتكلمين، ويقال إن مجلس يوحنا بن ماسويه «كان أعمر مجلس بمدينة بغداد لمتطبب أو متكلم أو متفلسف إذ كان يجتمع فيه كل صنف من أصناف أهل الأدب» وكان تلاميذ، يقرءون عليه فى هذا المجلس كتب المنطق لأرسططاليس وكتب جالينوس فى الطب (٢). وعلى شاكلة مجلسه مجلس حنين (٣) ابن إسحق، ويقال إن المأمون رسم له على كل كتاب ينقله إلى العربية أن يأخذ وزنه ذهبا. وكانت لابن أبى دؤاد المعتزلى مستشار المأمون والمعتصم والواثق ندوة كبيرة يحضرها من كبار المترجمين والأطباء سلمويه وابن ماسويه وبختيشوع بن جبريل (٤).

ويخيل إلى الإنسان كأنما كانت أزواد المعرفة والثقافة ملقاة فى كل مكان بأمصار العراق وهى حقّا كانت مطروحة فى الطرقات معرضة لكل الأيدى، فأبواب المساجد مفتوحة على مصاريعها لكل الواردين ومثلها دكاكين الوراقين، ولا مصاريف تطلب للتعليم، والتعليم مجانا من حق الجميع. وكان لذلك آثار بعيدة، فإن جمهور العلماء والشعراء لهذا العصر كانوا من أبناء العامة، ويكفى أن نعزف أن أعلام الشعر حينئذ وهم بشار بن برد وأبو نواس وأبو العتاهية ومسلم بن الوليد وأبو تمام كانوا جميعا من الطبقة الدنيا فى الشعب فبشار كان أبوه طيّانا يضرب اللبن، وأبو نواس كانت أمه غازلة للصوف ومن هذا الغزل كانت تعوله، وأبو العتاهية كان فى صغره يحمل الخزف والجرار على ظهره فى شوارع الكوفة يبيعها للناس، وكان أبو مسلم حائكا، أما أبو تمام فكان أبوه عطارا أو خمارا، ومن


(١) النجوم الزاهرة ٢/ ٢٩.
(٢) عيون الأنباه لابن أبى أصيبعة (طبعة دار الفكر العربى ببيروت) القسم الأول من الجزء الثانى ص ١٢٤ وابن الققطى فى أخبار الحكماء (طبعة الخانجى) ص ٢٤٩.
(٣) ابن أبى أصيبعة ص ١٣٩
(٤) الحيوان ٤/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>