للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السديد على ضوء الإسلام وتعاليمه. ويمثل الأولين أهل الحجاز بينما يمثل الثانين أهل العراق ولذلك سمّوا أهل الرأى، وسرعان ما تحول الاتجاهان فى هذا العصر إلى مذهبين واضحين فى الفقه والتشريع: مذهب أبى حنيفة فى الكوفة والعراق ومذهب مالك فى المدينة والحجاز، وينفذ الشافعى من خلال المذهبين إلى مذهب مستقل به، وبأخرة من العصر ينفذ ابن حنبل إلى مذهب رابع كانت تتبعه فيه عامّة بغداد.

وأبو حنيفة النعمان بن ثابت يرجع إلى أصل فارسى، وقد ولد سنة ٨٠ للهجرة وتوفى ببغداد سنة ١٥٠ وكان بزازا وهو مع ذلك يتثقف بالحديث والقرآن والفقه والتفسير حتى صار أبرع أهل زمانه فى الفقه والرأى، بل لقد نفذ إلى مذهب مستقل به، وهو مذهب كان يعتمد على الكتاب والسنة، كما كان يعتمد على القياس العقلى اعتمادا واسعا متخذا منه حلولا للأحكام الكثيرة التى تطلبتها المشاكل التى نشأت فى حياة الناس من الجهتين الدينية والدنيوية، ويقال إنه أفتى فى ثلاث وثمانين ألف مسألة منها ثمان وثلاثون ألفا فى العبادات والبقية فى المعاملات. وإلى دقته فى استخدام القياس يشير مساور الوراق إذ يقول (١):

إذا ما النّاس يوما قايسونا ... بآبدة من الفتيا ظريفه

أتيناهم بمقياس طريف ... مصيب من قياس أبى حنيفه

ونهض من بعده بمذهبه أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب المولود بالكوفة سنة ١١٣ والمتوفى سنة ١٨٢ وهو الذى انتشر به مذهب أبى حنيفة فى العراق وسائر الأقطار التابعة للخلافة العباسية، إذ كان قاضى القضاة فى عهد الهادى والرشيد وكان لا يولى على أى بلد قاضيا إلا من فقهاء المنتمين إلى مذهبه (٢)، وله فى الخراج كتاب مشهور مطبوع، وهو أول من ألف فى علم الحيل (٣) وهو علم يفتح بفتاويه المنثورة فيه المنافذ لكى يخرج منها من يقع فى حرج. وانتهت رياسة المذهب بعده إلى تلميذه محمد بن الحسن الشيبانى الكوفى المتوفى سنة ١٨٩ وكان


(١) أغانى (طبعة الساسى) ١٦/ ١٦٣. وانظر جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ٢/ ٧٧ وعيون الأخبار لابن قتيبة ٢/ ١٤٠.
(٢) انظر المغرب لابن سعيد (طبع دار المعارف) ١/ ١٦٤.
(٣) الحيوان ٣/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>