للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد سمع أبا حنيفة وتتلمذ له، كما سمع مالك بن أنس والأوزاعى فقيه الشام، وممن أخذ عنه الشافعى وأحمد بن حنبل، وهو الذى حرّر المذهب الحنفى بكتبه الكثيرة من مثل المبسوط والسير الكبير والجامع الكبير والجامع الصغير، وقد نوه ابن جنى بدقة استخدامه للعلل فى كتبه (١). وإلى هؤلاء الأئمة الثلاثة يرجع الفضل فى صياغة الفقه الحنفى ومصطلحاته صياغة علمية دقيقة.

وكان يقابل هذا المذهب العراقى مذهب مالك بن أنس فى الحجاز، على نحو ما يمثله كتابه «الموطأ» الذى تحدثنا عنه بين كتب الحديث والذى تعرض فيه أبواب الفقه ومسائله على أساس رواية الحديث النبوى والآثار عن الصحابة والتابعين.

ومن أهم من تلقوا هذا المذهب عن مالك تلميذه عبد الرحمن بن القاسم المتوفى بالفسطاط سنة ١٩١ وقد أدّاه بدوره إلى سحنون عالم القيروان المتوفى سنة ٢٤٠ فألف فيه كتابه الملقب باسم «المدونة الكبرى» ونشره ببلاد المغرب. وتلقى المذهب عن مالك أيضا يحيى بن يحيى الليثى الأندلسى، ونشره بموطنه على نحو ما نشر أبو يوسف مذهب أبى حنيفة إذ كان مقدّما عند حكام الأندلس وجعلوا له تولية القضاة فكان لا يولى قاضيا إلا من أصحابه المالكية.

ونفذ من خلال هذين المذهبين إلى تكوين مذهب جديد الشافعى محمد بن إدريس المولود بغزة سنة ١٥٠ والمتوفّى بالفسطاط سنة ٢٠٤ وقد نشأ بمكة وحمل ما بها من حديث، وفى سنة ١٧٠ رحل إلى المدينة ولزم مالكا إلى أن توفى، فرحل إلى اليمن واتّهم باشتراكه فى ثورة لبعض العلويين، فأرسل به إلى الرشيد وعفا عنه.

وانتهز فرصة مقامه ببغداد فقرأ كتب محمد بن الحسن الشيبانى وناظره طويلا، وخرج إلى مصر ونشر بها مذهبه الذى يجمع بين طريقة الحجازيين فى الاعتماد على الكتاب والسنة وطريقة العراقيين فى الاعتماد على القياس. وقد انتهت عنده الروح العلمية الأصيلة التى سادت فى مباحث الفقهاء إلى الغاية المنتظرة إذ استطاع أن يضع فى كتابه الملقب باسم الرسالة علم أصول الفقه لأول مرة، وفيه حرّر المناهج فى استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وهو بذلك يقف علما فى تاريخ الفقه الإسلامى، يقول الرازى: «واعلم أن نسبة الشافعى


(١) راجع الخصائص (طبعة دار الكتب المصرية) ١/ ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>