للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما تركه الهمز فى «واطى» فحجته فيه أن أكثر العرب تترك الهمز وأن قريشا تتركه وتبدل منه وأما نصبه «رمسا» فعلى التمييز. . ألا تراه قال: (فليت ما أنت واط من الثرى لى) فتمّ الكلام وصار جواب ليت فى «الى» ثم بيّن من أى وجه يكون ذلك، فقال «رمسا» كما تقول فى الكلام: «ليت ثوبك هذا لى» ثم تقول «إزارا» لأن جواب ليت صار فى قولك «لى» وصار الإزار تمييزا (١)».

ومضى ابن قتيبة يوجّه له أبياتا أخرى وقف اللغويون والنحاة عند حروف منها.

ولعل من الغريب أن يقف يوهان فك فى كتابه «العربية» عند هذه الأبيات (٢) وما يماثلها مما أخذ على أبى نواس وعند أخرى تشبهها لشعراء آخرين متخذا منها دليلا على مخالفة العباسيين لقواعد العربية، وكأنه لم يقرأ ما نقلناه عن ابن قتيبة.

ولو أنه أنعم النظر فيما سجّله الموشح على شعراء الجاهلية والإسلام من مثل هذه الأحرف لعرف أن العباسيين لم يخرجوا على قواعد الفصحى فى الصورة التى رسمها لهم اللغويون، وأن كل ما هناك أنهم قاسوا أشعارهم على أشعار الأقدمين، فأجازوا لأنفسهم ما كان يجيزه أسلافهم من بعض الضرورات وبعض الشواذ، وهم فى ذلك يتابعونهم ويصوغون على إرث منهم.

ووقف يوهان فك عند استخدام نفر من الشعراء العباسيين لبعض الألفاظ والصيغ الفارسية فى أشعاره معتمدا على ما كتبه الجاحظ فى «البيان والتبيين» عن بعض الأعراب مثل العمانى والعذافر الكندى ذاكرا أنهما كانا يتملحان بإدخال بعض الألفاظ الفارسية فى أشعارهما، وتمثّل للعمانى بلفظتين، وساق لشاعر يسمّى أسود بن أبى كريمة قطعة اختلطت فيها الألفاظ الفارسية بالألفاظ العربية (٣).

وقد جعل ذلك يوهان فك يزعم أن الفارسية أدخلت فى هذا العصر ضيما على العربية، مبالغا فى تصور هذا الضيم (٤)، وهى مبالغة لا تسندها نفس النصوص التى رواها الجاحظ، إذ كان الشعراء يسوقون فى أشعارهم أحيانا بعض الألفاظ الفارسية تملحا وتظرفا كما يلاحظ الجاحظ نفسه، أما بعد ذلك فإنهم كانوا يحافظون على ما استقر فى ملكاتهم من قوانين الصياغة العربية، وربما كان أكثرهم استخداما


(١) الشعر والشعراء لابن قتيبة (طبع دار المعارف) ص ٧٩٤.
(٢) كتاب العربية ص ٩١ وما بعدها.
(٣) البيان والتبيين ١/ ١٤١ وما بعدها.
(٤) كتاب العربية ص ١١٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>