للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للألفاظ الفارسية فى شعره أبا نواس إذ كان يأتى بها فى بعض خمرياته تعابثا ومجانة، وخاصة حين يوجه كلامه إلى بعض غلمان المجوس مقسما عليهم بآلهتهم وشعائرهم الدينية وأعيادهم المجوسية، على شاكلة قوله (١):

والمهرجان المدار ... لوقته الكرّار (٢)

والنوكروز الكبار (٣) ... وجشن جاهنبار (٤)

وآبنسال الوهار (٥) ... وخرّه إيران شار (٦)

ولم يكن يصنع ذلك دائما إنما كان يصنعه فى الحين بعد الحين تملحا وتندرا.

وقد تسقط على لسان بعض الشعراء لفظة نبطية، من مثل قول إبراهيم الموصلى واصفا وداعه لخمّار نبطىّ (٧):

فقال: إزل بشين، حين حدّثنى ... وقد-لعمرك-زلنا عنه بالشّين

وكلمة «إزل بشين» نبطية، ومعناها: امض بسلام. غير أن ما قدمنا ومثله لم يتحول إلى ظاهرة عامة، فقد كان يأتى على ألسنة الشعراء فى الندرة، وكثرتهم-على الرغم من أصولهم الفارسية-لم يتورطوا فى شئ منه. ومن أجل ذلك كان ينبغى أن لا يندفع باحث إلى القول بأن السليقة العربية انتقصت فى نفوس العباسيين، فقد كانت أقوى قوة من أن تنتقص، حتى لدى من كانوا يحسنون الفارسية مثل أبى نواس. وقد كانت اللغة العربية تتعمق جوهر نفسه بفضل من زوّدوه بها من اللغويين أمثال خلف الأحمر أستاذه، ومضى ينهلها من ينابيعها الصافية فى البادية، فأقام بها حولا كاملا (٨)، يعبّ منها ويرتوى.

وأكبّ على دواوين الجاهليين والإسلاميين من أصحاب القصيد والرجز يستظهرها، حتى قالوا إنه كان يحفظ دواوين ستين امرأة فضلا عن الرجال (٩)، وإنه حفظ


(١) انظر أشعارا مماثلة فى كتابنا «الفن ومذاهبه فى الشعر العربى» (طبع دار المعارف) ص ١٢٣.
(٢) المهرجان: من أعياد الفرس.
(٣) النوكروز: عيد النيروز.
(٤) جشن: من أعياد الفرس. جاهنبار: الدورة العامة.
(٥) آبسال: ابتداء الربيع. الوهار: المشرق.
(٦) خره: موضع الشرب، أو عيد، إيران شار: إيران العزيزة.
(٧) أغانى (طبع دار الكتب) ٥/ ١٧٦.
(٨) أخبار أبى نواس لابن منظور (طبع مصر) ص ١٢.
(٩) طبقات الشعراء لابن المعتز (طبع دار المعارف) ص ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>