للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكمهم ووصاياهم فى الصداقة والمشورة وآداب السلوك والسياسة، ومن يرجع إلى بشار يجده يفرد للمشورة قطعة طويلة فى إحدى مدائحه، يقول فيها (١):

إذا بلغ الرّأى المشورة فاستعن ... برأى نصيح أو نصيحة حازم

ولا تجعل الشّورى عليك غضاضة ... مكان الخوافى نافع للقوادم (٢)

وقد نقلت أمثال بزرجمهر الوزير الفارسى إلى العربية ودارت فى كتب الأدب، وتمثل الشعراء كثيرا من معانيها البديعة، من مثل قوله: «إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت عنك فأنفق فإنها لا تبقى» وقد أخذه بعض الشعراء وزاد عليه قائلا (٣):

فأنفق إذا أنفقت إن كنت موسرا ... وأنفق-على ما خيّلت (٤) -حين تعسر

فلا الجود يفنى المال والجدّ مقبل ... ولا البخل يبقى المال والجدّ مدبر (٥)

ويقال إنه كان فى ديوان صالح بن عبد القدوس ألف مثل للعجم (٦).

ولا ريب فى أن الثقافة اليونانية كان تأثيرها فى الشعر والشعراء أعمق وأبعد غورا، بما فتحت أمامهم من أبواب الفكر الفلسفى وأبواب المنطق ومقاييسه وأدلته، وما بعثت فيهم من محاولة استكشاف دفائن المعانى واستخراج دقائقها. وقد مضى كثير من الشعراء يزيدون محصولهم من تلك الثقافة، بل كان منهم من ألف فى المنطق (٧)، حتى يشحذ ذهنه وأذهان الشعراء من حوله. وكان مما ترجم لهم من تلك الثقافة مراثى فلاسفة اليونان للإسكندر المقدونى عند وفاته، وقد نقل منها أبو العتاهية أطرافا إلى مراثيه (٨) فى صديقه على بن ثابت، من ذلك أن أحدهم وقف عند رأسه، وقال: سكنت حركة الملك فى لذّاته وقد حرّكنا اليوم فى سكونه جزعا لفقده، فأخذ هذا المعنى أبو العتاهية قائلا:


(١) أغانى ٣/ ١٥٦ وانظر ص ٢١٤.
(٢) القوادم: الريش الطويل فى جناح الطائر والخوافى: الريش القصير.
(٣) عيون الأخبار ٣/ ١٧٩.
(٤) على ما خيلت: على أى حال.
(٥) الجد: الحظ.
(٦) التحفة البهية ص ٢١٧.
(٧) معجم الأدباء (طبعة القاهرة) ١٧/ ٢٧.
(٨) أغانى (طبع دار الكتب) ٤/ ٤٤ والبيان والتبيين (١/ ٤٠٧ وزهر الآداب للحصرى ٣/ ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>