للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ كان يغدو ويروح فى نشأته على مجالس المتكلمين والمعتزلة. وفى أشعاره سيول من ألفاظهم وأفكارهم، من ذلك فكرة التولد، وهى الفعل الذى ينشأ عن فعل آخر دون قصد، فقد صدر عنها فى قوله متغزّلا بجنان (١):

وذات خدّ مورّد ... فتّانة المتجرّد

تأمّل العين منها ... محاسنا ليس تنفد

فبعضها قد تناهى ... وبعضها يتولّد

ومن ذلك فكرة الجزء الذى لا يتجزّأ أو فكرة الجوهر الفرد، وكان النظّام ينكره، وتجادل فيه طويلا مع نظرائه من المعتزلة، وقد ألمّ بها أبو نواس فى قوله متغزلا (٢):

يا عاقد القلب عنى ... هلا تذكرت حلاّ

تركت منى قليلا ... من القليل أقلاّ

يكاد لا يتجزّا ... أقلّ فى اللفظ من لا

ويقال إن النظام سمع منه هذه الأبيات، فقال له: «أنت أشعر الناس فى فى هذا المعنى، والجزء الذى لا يتجزأ-منذ دهرنا الأطول-نخوض فيه ما خرج لنا فيه من القول ما جمعت أنت فى بيت واحد (٣)». ومن ذلك قوله فى شخص كان يبغضه (٤):

كمن الشّنآن فيه لنا ... ككمون النار فى حجره

ونظرية الكمون إحدى النظريات التى تحاور فيها النظّام مع بعض معاصريه طويلا، إذ كان يرى أن الله جلّ جلاله خلق الموجودات دفعة واحدة، ثم أكمن بعضها فى بعض على نحو ما أكمن فى آدم أبناءه. ومما كان يحاوره فيه أبو نواس فكرة صدق الوعد والوعيد على الله وهى إحدى الأفكار الأساسية فى عقيدة المعتزلة،


(١) البيان والتبيين ١/ ١٤١.
(٢) نفس المصدر والصفحة، وانظر فى أشعار أخرى له تزخر بألفاظ المتكلمين أخبار أبى نواس لابن منظور ص ١٣.
(٣) أخبار أبى نواس لابن منظور ص ١٣.
(٤) الديوان (طبعة آصاف) ص ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>