للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما مر بنا فى الفصل السابق، وقد جعلتهم يرفضون فكرة العفو التى قال بها المرجئة والتى تذهب إلى أن الله من حقه أن يترك وعيده لمن أجرم وارتكب الكبائر، فيدل عليه أستار عفوه، وكان أبو نواس يصدر عن فكرة المرجئة فى حواره للنظام بمثل قوله فى إحدى خمرياته (١):

فقل لمن يدّعى فى العلم فلسفة ... حفظت شيئا وغابت عنك أشياء

لا تحظر العفو إن كنت امرءا حرجا ... فإن حظركه بالدين إزراء

وقد فتقت مجالس المعتزلة والمتكلمين عقل أبى نواس، فإذا هو يتحول إلى ما يشبه كنزا سائلا بالمعانى المبتكرة والأخيلة المبتدعة من مثل قوله (٢):

لا أذود الطير عن شجر ... قد بلوت المرّ من ثمره

خفت مأثور الحديث غدا ... وغد دان لمنتظره

وقوله (٣):

وكأس كمصباح السماء شربتها ... على زورة أو موعد بلقاء

أتت دونها الأيام حتى كأنّها ... تساقط نور من فتوق سماء

وتلقانا فى كثير من جوانب شعره طوابع المعتزلة فى لغتهم وفى حجاجهم وفى تفكيرهم المجرد من مثل قوله يصف الخمر (٤):

توهمتها فى كأسها فكأنما ... توهمت شيئا ليس يدرك بالعقل

وصفراء أبقى الدهر مكنون روحها ... وقد مات من مخبورها جوهر الكلّ

فما يرتقى التكييف منها إلى مدى ... تحدّ به إلا ومن قبله قبل

وقوله (٥):

وقد خفيت من لطفها فكأنها ... بقايا يقين كاد يذهبه الشّكّ


(١) الديوان ص ٣٥.
(٢) الوساطة بين المتنبى وخصومه (طبعة الحلبى) ص ٥٨.
(٣) الوساطة ص ٥٩.
(٤) الصناعتين (طبعة الحلبى) ص ٣٦٤
(٥) خزانة الأدب للحموى (طبع المطبعة الخيرية) ص ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>