للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدته والموت مكتمن ... فى مذاكيه ومشتجره (١)

فرمت جيلوه منه يد ... طوت المنشور من بطره (٢)

زرته والخيل عابسة ... تحمل البؤسى إلى عقره (٣)

فأبحت الخيل عقوته ... وقريت الطير من جزره (٤)

صاغك الله أبا دلف ... صيغة فى الخلق فى خيره

كلّ من فى الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره

مستعير منك مكرمة ... يكتسيها يوم مفتخره

وكانت المدحة قديما تشتمل على مقدمات تصف الأطلال وعهود الهوى بها وما يلبث الشاعر أن يستطرد إلى وصف الصحراء ناعتا ما يركبه من بعير أو فرس وما يراه فيها من حيوان وحشى، وقد يعرض لوصف مشهد الصيد، وكثيرا ما يضمنها بجانب ذلك حكما توسع مدارك السامع وتبصره بأطراف من سنن الحياة.

وكل ذلك استبقاه شاعر المدحة فى العصر العباسى، ولكن مع إضافات كثيرة، حتى يلائم بينه وبين عصره. وتتسع الإضافة أحيانا وتضيق أحيانا، ولكنها دائما تعبر عن الذخائر العقلية والخيالية للشاعر العباسى. وقد نعجب لاستبقاء هؤلاء الشعراء المتحضرين لعناصر الأطلال ورحلة الصحراء البدوية، غير أنهم اتخذوها رمزا، أما الأطلال فلحبهم الداثر، وأما رحلة الصحراء فلرحلة الإنسان فى الحياة، وقد استغلوا ما كان يصحب الأطلال من حنين لذكريات حبهم ومعاهده لا يزال يترقرق فى أشعارهم من مثل قول مسلم بن الوليد (٥):

هلا بكيت ظعائنا وحمولا ... ترك الفؤاد فراقهم مخبولا

فإذا زجرت القلب زاد وجيبه ... وإذا حبست الدمع زاد همولا (٦)


(١) المذاكى: الخيل، والمشتجر: القنا والرماح.
(٢) جيلوه: من ثوار أذربيجان. البطر: الطغيان بالنعمة.
(٣) العقر: محلة القوم.
(٤) العقوة: ساحة الدار. والقرى: الضيافة. والجزر: ما يذبح.
(٥) ديوان مسلم (طبع دار المعارف) ص ٥٣
(٦) واضح أن مسلما يخاطب نفسه وكأنه يخاطب غيره، والظعائن: النساء فى الهوادج والحمول: ما يحملنه معهن.

<<  <  ج: ص:  >  >>