للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن نجد شاعرا يهجو محمد بن يسير بما يدعى من معرفة السحر والشعبذة والعزانم على الجن والشياطين (١)

وظلت للفخر حيويته القديمة، وإن كان قد ضعف فيه الفخر القبلى، على أن أسرابا بقيت منه عند نفر من الشعراء، وفى مقدمتهم أبو نواس إذ كان يتعصب لمواليه من بنى سعد العشيرة القحطانيين وينظم فى ذلك أشعارا كثيرة، ومثله كان دعبل، وقد رد على مذهبّة الكميت التى تشيّع فيها للنزاريين على القحطانيين ردّا عنيفا، مما جعل أبا سعد المخزومى يهاجيه طويلا (٢). وحاول شاعر يسمى ابن قنبر أن يدفع مسلم بن الوليد للاشتباك به فى معركة حامية من معارك الهجاء القبلى، ولكن مسلما أخرسه (٣). وكان بشار يتعصب فى عصر بنى أميّة لمواليه القيسيين تعصبا حادّا، حتى إذا نجحت الثورة العباسية أظهر ما كان يستره من كره الإسلام والعرب، وأخذ يعنف بهم عنفا شديدا، مصورا البغض الذى كان يحرق كبده. والجديد حقّا فى الفخر لهذا العصر أن كثيرا من الشعراء صدروا فى فخرهم عن شعور طاغ بالمروءة والكرامة والشيم الرفيعة من مثل قول عوف بن محلّم الخزاعى (٤):

وإنى لذو حلم على أن سورتى ... إذا هزّنى قوم حميت بها عرضى (٥)

وإنى لأجزى بالكرامة أهلها ... وبالحقد حقدا فى الشدائد والخفض

وقول بكر بن النطّاح (٦):

ومن يفتقر منا يعش بحسامه ... ومن يفتقر من سائر الناس يسأل

وإنا لنلهو بالسيوف كما لهت ... فتاة بعقد أو سخاب قرنفل (٧)

ونشط الشعراء فى الرثاء نشاطا واسعا، إذ لم يمت خليفة ولا وزير ولا قائد مشهور إلا وأبّنوه تأبينا رائعا، وقد صوّروا فى القواد بطولتهم ومحنة الأمة والجيوش فى وفاتهم، وكيف ملأ موتهم القلوب حسرة وفزعا. وحقّا رثاؤهم لهم يفيض بالحزن


(١) الحيوان ٦/ ٢٣٢.
(٢) أغانى (طبعة الساسى) ١٨/ ٢٩.
(٣) أغانى (طبعة دار الكتب) ١٤/ ١٦٢. وانظر ترجمة أبى الفرج لمسلم الملحقة بديوانه ص ٣٨٣ وما بعدها.
(٤) ابن المعتز ص ١٩٢.
(٥) السورة: السطوة وشدة الغضب.
(٦) أغانى (طبعة الساسى) ١٧/ ١٥٥.
(٧) السخاب: قلادة، وعادة تكون من القرنفل وبعض الطيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>