للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المكان فى هذا الموضع حين يقول: (وعوده أكرم من عوده)

وأى عود للخنزير قبّحه الله تعالى وقبّح من يشتهى أكله». وحماد يضيف إلى قذارة الجسد قذارة الخلق. ومع أن بشارا كان فى الذروة الرفيعة من صنع الشعر ونظمه وكان حماد فى السفح البعيد فإن حمادا كان يستعلى عليه فى الهجاء. ولما أعياه أمره جاءه من باب ضيق، محاولا أن يضع أغلال أولى الأمر فى يديه، إذ ادّعى عليه أنه زنديق يؤمن بإلهى النور والظلمة كما يؤمن المجوس قائلا فى أبيات:

يا بن نهيا رأس علىّ ثقيل ... واحتمال الرءوس خطب جليل

ادع غيرى إلى عبادة ربّي‍ ... ن فإنى بواحد مشغول

ومكر به حماد فأشاع الأبيات لبشار فى الناس وجعل فيها مكان (فإنى بواحد مشغول): (فإنّى عن واحد مشغول) ليثبت عليه الزندقة والكفر. يقول أبو الفرج:

فما زالت الأبيات تدور فى أيدى الناس حتى انتهت إلى بشار، فاضطرب منها وتغيّر وجزع، وقال: عرّضنى للقتل، والله ما قلت إلا (فإنى بواحد مشغول) فغيّرها حتى يشهرنى فى الناس بما يهلكنى» (١). وكانا جميعا زنديقين مستترين، وكأنما خافا أن يفتضحا ويحاكمهما المهدى. ونرى بشارا يلطخ بالتهمة زنديقا ثالثا هو عمارة بن حربيّة. وله يقول (٢):

لو كنت زنديقا-عمار-حبوتنى ... أو كنت أعبد غير ربّ محمّد

لكننى وحّدت ربّى مخلصا ... فجفوتنى بقضا لكل موحّد

ويكثر فى هجاء بشار وغيره هتك الأعراض، وربما كان لشيوع المجون والفحش أثر فى ذلك. وتشيع فى كثير من قطع الهجاء روح السخرية المريرة، وقد تشيع روح الفكاهة المضحكة، على نحو ما يلقانا فى هجاء أبى العتاهية لعبد الله (٣) بن معن وقد جعل منه فتاة تتزين لتلفت إليها الرجال. ودفعت بشارا شعوبيته الذميمة ليهجو العرب بأشعار تعدّ وصمة فى جبينه. وعلى نحو ما لاءموا بين مدائحهم وممدوحيهم لاءموا بين أهاجيهم ومهجويهم. فإذا كانوا قضاة وصفوهم بالظلم. وإذا كانوا مغنين وصفوهم برداءة الصوت ودمامة المنظر. ولعل من الطريف


(١) أغانى ١٤/ ٣٢٥ وما بعدها.
(٢) الحيوان ٤/ ٤٤٣.
(٣) أغانى ٤/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>