للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استمد منها حماد عجرد كثيرا حين استطار الهجاء بينه وبين بشار من مثل قوله (١):

وأعمى يشبه القرد ... إذا ما عمى القرد

دنئ لم يرح يوما ... إلى مجد ولم يغد

ولم يحضر مع الخضّا ... ر فى خير ولم يبد

ولم يخش له ذمّ ... ولم يرج له حمد

ويقال إن بشارا حين سمع هذه الأبيات بكى من شدة إيلامها لنفسه، فقال له قائل: أتبكى من هجاء حماد؟ فقال: والله ما أبكى من هجائه، ولكن أبكى لأنه يرانى ولا أراه، فيصفنى ولا أصفه. وأتاه من باب جديد ألهمته به الحضارة وما يأخذ به أهل الحاضرة أنفسهم من النظافة والتعطر، فوصفه بالقذارة والدنس فى أبيات لعلها كانت أشد إيلاما وأوجع وخزا لنفسه من الأبيات السابقة، إذ يقول (٢):

نهاره أخبث من ليله ... ويومه أخبث من أمسه

وليس بالمقلع عن غيّه ... حتى يوارى فى ثرى رمسه (٣)

ما خلق الله شبيها له ... من جنّه طرّا ومن إنسه

والله ما الخنزير فى نتنه ... بربعه فى النّتن أو خمسه

بل ريحه أطيب من ريحه ... ومسّه ألين من مسّه

ووجهه أحسن من وجهه ... ونفسه أنبل من نفسه

وعوده أكرم من عوده ... وجنسه أكرم من جنسه

يقول الجاحظ: «وأنا-حفظك الله تعالى-أستظرف وضعه الخنزير بهذا


(١) أغانى (طبع دار الكتب) ١٤/ ٣٢٩.
(٢) الحيوان ١/ ٢٤٠ وأغانى ١٤/ ٣٣٠.
(٣) الرمس: القبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>