للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المجان قطعا من الحب الأفلاطونى أو قل من الحب العفيف البرئ الذى يرتفع عن المادة والحس من مثل قول أولهما (١):

دعا بفراق من تهوى أبان ... ففاض الدّمع واحترق الجنان

كأن شرارة وقعت بقلبى ... لها فى مقلتى ودمى استنان (٢)

إذا أنشدت أو نسمت عليها ... رياح الصّيف هاج لها دخان

على أنه سرعان ما ظهر شاعر تخصص بالغزل العفيف واشتهر به هو العباس ابن الأحنف، وسنفرد له فى الفصل السادس ترجمة خاصة. وكانوا فى غزلهم العفيف والصريح الماجن يحرصون دائما على أن يملأوا معاصريهم إعجابا بدقائق معانيهم وطرائف أخيلتهم، من مثل قول بشار (٣):

أتتنى الشمس زائرة ... ولم تك تبرح الفلكا

وقول أبى نواس (٤):

كأن ثيابه أطلع‍ ... ن من أزراره قمرا

يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا

بعين خالط التّفت‍ ... ير من أجفانها الحورا

وخدّ سابرىّ لو ... تصوّب ماؤه قطرا

وقول مسلم بن الوليد (٥):

أقر بالذّنب منى لست أعرفه ... كيما أقول كما قالت فنتّفق

حبست دمعى على ذنب تجدّده ... فكل يوم دموع العين تستبق

وقد اتسعت موجة المجون كما مرّ بنا، واتسع معها وصف الخمر، وكان القدماء يصفونها على نحو ما هو معروف عن الأعشى وعدى بن زيد العبادى، وأخذ


(١) أغانى (طبعة دار الكتب) ٣/ ٢٠٦.
(٢) استنان: جرى شديد.
(٣) المختار من شعر بشار للخالديين ص ٦٤.
(٤) الديوان (طبعة آصاف) ص ١٦٥.
(٥) طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>