للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صفها يكثر فى أواخر عصر بنى أمية عند الوليد بن يزيد وأبى الهندىّ وأضرابهما.

يرى مجالسها، منذ مطالع هذا العصر، معقودة فى البصرة والكوفة، حتى إذا امت بغداد نافستهما فى تلك المجالس. وكانت تنبثّ حاناتها فى الكرخ ببغداد غير الكرخ وفيما وراءه من دور النخاسة والأديرة المنثورة فى ضواحى الكوفة وعلى الطريق منها ومن البصرة إلى بغداد، فأمّها جميعا مجان الشعراء هم وغيرهم من عامة لفساق، وكانوا أخلاطا، منهم الزنديق الثائر على الإسلام وتعاليمه، ومنهم لحزين الذى لم تحقق له الدولة أحلامه، فأكبّ على الخمر يغرق فيها آلامه، منهم المجوسى والدهرى الذى لا يؤمن بأى كتاب سماوى. وقد مضوا جميعا يعبّون من الخمر حتى الثمالة، وتلقانا منهم منذ أوائل العصر جماعات ألّف المجون والعشق الفسق الآثم بينهم مثل جماعة مطيع بن إياس ووالبة وحماد عجرد ويحيى بن زياد لحارثى فى الكوفة وكانوا يعبّون الخمر أرطالا ويتغزلون الغزل المكشوف الماجن الجوارى والغزل الشاذ الدنس بالغلمان، متحرّرين من كل خلق وعرف ودين، فى ذلك يقول مطيع (١):

اخلع عذارك فى الهوى ... واشرب معتّقة الدّنان

وصل القبيح مجاهرا ... فالعيش فى وصل القيان

لا يلهينّك غير ما ... تهوى فإن العمر فان

وتبلغ حدة هذه الموجة غايتها فى عهد الأمين، إذ حوّل قصر الخلافة إلى ما يشبه مقصفا للخمور والمجون، واتخذ أبا نواس نديمه، وكان يعكف على الخمر والمجون عكوفا يقترن بعجيج وضجيج وهجوم على مقدمة الأطلال القديمة طالبا إلى الشعراء أن يضعوا مكانها وصف الخمر المعتقة، صائحا بذلك صياحا كثيرا من مثل قوله (٢):

قل لمن يبكى على رسم درس ... واقفا ما ضرّ لو كان جلس (٣)

تصف الرّبع ومن كان به ... مثل سلمى ولبينى وخنس (٤)


(١) الديارات للشابشى ص ١٦٦.
(٢) الديوان (طبعة آصاف) ص ٢٩٩.
(٣) درس: المحى.
(٤) لبينى: تصغير لبنى. وخنس: الحنساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>