للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلت ولم أملك سوابق عبرة ... نطقن بما ضمّت عليه ضلوع

تبيّن، فكم دار تفرّق شملها ... وشمل شتيت عاد وهو جميع

كذاك الليالى صرفهنّ كما ترى ... لكل أناس جدبة وربيع (١)

ومرّ بنا أن الشاعر العباسى كان يحتفظ أحيانا فى مقدمات مدائحه بوصف الصحراء وأحيانا يتركها إلى وصف الطبيعة فى الحاضرة ببساتينها ورياحينها، وقد أخذ يخص هذه الطبيعة بمقطوعات وقصائد كثيرة، بحيث أصبحت موضوعا جديدا واسعا، وكان يمزج نشوته بها فى بعض الأحيان بنشوة الحب أو نشوة الخمر وسماع القيان، وفى كثير من الأحيان كان يقف عند تصوير فتنته بها وبورودها ورياحينها من مثل قول إبراهيم بن المهدى فى النرجس (٢):

ثلاث عيون من النّرجس ... على قائم أخضر أملس

يذكّرننى طيب ريّا الحبيب ... فيمنعننى لذّة المجلس (٣)

وقد أكثروا من وصف الأمطار والسحب، كما أكثروا من وصف الرياض وخاصة فى الربيع حين تتبرج الطبيعة بمناظرها الفاتنة. وعبروا عن أحاسيسهم ومشاعرهم أحيانا خلال هذا الوصف، مما جعلهم يخاطبون بعض عناصرها، وكأنها أناسىّ تحمل عواطف الإنسان ويصيبها ما يصيبه من ريب الزمان، ومن خير ما يصور ذلك مخاطبة مطيع بن إياس لنخلتى حلوان على هذه الشاكلة (٤):

أسعدانى يا نخلتى حلوان ... وابكيالى من ريب هذا الزمان (٥)

واعلما أن ريبه لم يزل يف‍ ... رق بين الألاّف والجيران

ولعمرى لو ذقتما ألم الفر ... قة أبكاكما الذى أبكانى

أسعدانى وأيقنا أنّ نحسا ... سوف يلقاكما فتفترقان

كم رمتنى صروف هذى الليالى ... بفراق الأحباب والخلاّن


(١) جدبة: المرة من الجدب وهو القحط.
(٢) أغانى (طبع دار الكتب) ١٠/ ١١٥
(٣) الريا: الرائحة الجميلة.
(٤) أغانى (طبع دار الكتب) ١٣/ ٣٣١.
(٥) حلوان: من بلاد العراق فى طرفه الشمالى ممايلى إيران. أسعدانى أعينانى بالدموع.

<<  <  ج: ص:  >  >>