للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونرى شعراء كثيرين يعنون بوصف مظاهر الحضارة العباسية المادية وما يتصل بها من الترف فى الطعام والتأنق فى الملابس والثياب، ووصف القصور وما حولها من البساتين وما يجرى فيها من الظباء والغزلان من مثل قول أبى عيينة المهلبى فى وصف قصر ابن عمه عمر بن حفص المهلبى (١):

فيا طيب ذاك القصر قصرا ومنزلا ... بأفيح (٢) سهل غير وعر ولا ضنك

بغرس كأبكار الجوارى وتربة ... كأن ثراها ماء ورد على مسك

وسرب من الغزلان يرتعن حوله ... كما استلّ منظوم من الدّرّ من سلك

وأكثروا من وصف الحيوان والطير والحشرات، واشتهر بذلك خلف (٣) الأحمر وجهم (٤) بن خلف، وفى كتاب الحيوان للجاحظ من ذلك مادة وافرة.

وعلى هذا النحو نفذ الشاعر العباسى من وصف الشاعر القديم للصحراء وحيوانها الأليف والوحشى إلى وصف بيئته بجميع مظاهرها وعناصرها الصامتة والمتحركة، وقد وصف وصفا دقيقا الأمراض والآفات التى انتابته، ويصور ذلك من بعض الوجوه قصيدة لعبد الصمد بن المعذّل يصف فيها حمى اعترته، وفيها يقول (٥):

وبنت المنية تنتابنى ... هدوّا (٦) وتطرقنى سحره

كأن لها ضرما فى الحشا ... وفى كل عضو لها جمره

لها قدرة فى جسوم الأنام ... حباها بها الله ذو القدره

وطورا ألقّبها سخنة ... وطورا ألقّبها فتره

وصرت إذا جعت يوما ظللت ... كأنّ على كبدى شفره (٧)

ويربو الطحال إذا ما شبعت ... فتعلو التّرائب والصّدره (٨)


(١) الشعر والشعراء ص ٨٥٣ والأغانى (طبعة الساسى) ١٨/ ١٤.
(٢) أفيح: أوسع، أرلعله من فائحة الرائحة.
(٣) الحيوان ٤/ ٢٧٩.
(٤) الحيوان ٣/ ٢٤٢ وانظر الهامش.
(٥) الوساطة بين المتبى وخصومه (طبعة الحلبنى) ص ١٢١.
(٦) الهدو: أوائل الليل. سحرة: وقت السحر.
(٧) الشفرة: حد السيف وجانب النصل.
(٨) الصدرة: الصدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>