للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفجعا يبعث الأسى فى النفس من مثل قوله (١):

أصغى إلى قائدى ليخبرنى ... إذا التقينا عمّن يحيّينى

أريد أن أعدل السّلام وأن ... أفصل بين الشريف والدّون

أسمع مالا أرى فأكره أن ... أخطىّ والسمع غير مأمون

لله عينى التى فجعت بها ... لو أن دهرا بها يواتينى

لو كنت خيّرت ما أخذت بها ... تعمير نوح فى ملك قارون

وقد صوروا كثيرا من العواطف الدقيقة، من ذلك التعاطف الرقيق بين الأب وبنيه وبناته وما يطوى فيه من الرحمة والبر والحنان، على نحو ما يلقانا عند ابن يسير مصورا عطفه على بنيّة له وكيف يستأثر به ويجشمه اقتحام المصاعب من أجل سعادتها، وكيف يحبّبه فى الحياة خوفا عليها من ذل اليتم وجفوة الأهل، وإنه ليشفق عليها حتى من الدموع التى سترسلها حين يتأهب لمفارقة الحياة، يقول (٢):

لولا البنيّة لم أجزع من العدم ... ولم أجب فى الليالى حندس الظلم (٣)

وزادنى رغبة فى العيش معرفتى ... ذلّ اليتيمة يجفوها ذوو الرّحم

أخشى فظاظة عمّ أو جفاء أخ ... وكنت أخشى عليها من أذى الكلم

إذا تذكرت بنتى حين تندبنى ... جرت لعبرة بنتى عبرتى بدم

وحلّلوا كثيرا من المشاعر، من ذلك شعور الزوج بالغيرة الشديدة على زوجته وما يجر ذلك عليهما من البلاء، وللخريمى فى ذلك مقطوعة بديعة يفرق فيها بين الغيرة المطلوبة فى حينها وبين الغيرة التى تتحول إلى ما يشبه مرضا يعزّ دواؤه، فإذا الزوج يشك فى زوجته، حتى ليعصف بها شكه، فإذا هى توشك أن تتردى فى مسالك الريبة. وينصحه أن يمنحها ثقته وأن لا يشوب سلوكه بريبة، فتسير سيرته المعوجة ويفسد عليه كل شئ، وفى ذلك كله يقول (٤):


(١) الحيوان ٣/ ١١٣ والشعر والشعراء ص ٨٣٠.
(٢) ابن المعتز ص ٢٨١.
(٣) العدم هنا: الموت. الحندس شدة الظلمة
(٤) عيون الأخبار: ٤/ ٧٩ والشعر والشعراء ص ٨٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>