للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أحسن الغيرة فى حينها ... وأقبح الغيرة فى كلّ حين

من لم يزل متّهما عرسه ... متّبعا فيها لقول الظّنون (١)

يوشك أن يغريها بالذى ... يخاف أن يبرزها للعيون

حسبك من تحصينها وضعها ... منك إلى عرض صحيح ودين

لا تطّلع منك على ريبة ... فيتبع المقرون حبل القرين

وقد صوروا تصويرا دقيقا حياة البؤس والمسغبة التى كان يرزح تحت أثقالها جماهير الشعب، ومن خير ما يمثل ذلك مقطوعة لأبى فرعون الساسى يصور فيها جوع عياله وكيف يبيتون فى الشتاء القارص عراة لا يجدون ما يحميهم من هول البرد وزمهريره، وهى تجرى على هذا النمط (٢):

وصبية مثل صغار الذّرّ ... سود الوجوه كسواد القدر (٣)

جاءهم البرد وهم بشر ... بغير قمص وبغير أزر

تراهم بعد صلاة العصر ... وبعضهم ملتصق بصدرى

وبعضهم ملتصق بظهرى ... وبعضهم منحجر بحجرى

إذا بكوا علّلتهم بالفجر ... حتى إذا لاح عمود الفجر

ولاحت الشمس خرجت أسرى ... عنهم وحلّوا بأصول الجدر

كأنّهم خنافس فى جحر

وقد أسلفنا فى حديثنا عن الحياة الاجتماعية ولع الخلفاء بالصيد، وكيف كانوا يخرجون إليه فى مواكب حافلة، ومعهم البزاة والصقور والكلاب، وتبعهم فى هذا الصنيع الوزراء وعلية القوم. وقد نظم الشعراء فى هذه المتعة الرياضية أراجيز كثيرة سموها الطرديات، وأكثر من النظم فيها أبو نواس، وأحسن غاية الإحسان فى وصف الكلاب «لأنه كان قد لعب بها زمانا وعرف منها ما لا تعرفه الأعراب».

وحقا سبقه فى هذا الموضوع بعض شعراء العصر الأموى من مثل الشمردل


(١) الظنون: سئ الظن.
(٢) ابن المعتز ص ٣٧٧ وانظر كتاب الورقة لابن الجراح (طبع دار المعارف) ص ٥٤.
(٣) الذر: النمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>