للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصبهانى فرأيت أتانا عند بابه، فعشقتها فمت. وزعم بشار أنه أنشده هذه المقطوعة:

سيّدى! مل بعنانى ... نحو باب الأصبهانى

إنّ بالباب أتانا ... فضلت كلّ أتان

تيّمتنى يوم رحنا ... بثناياها الحسان

تيّمتنى ببنان ... وبدلّ قد شجانى

وبحسن ودلال ... سلّ جسمى وبرانى

ولها خدّ أسيل ... مثل خدّ الشّيفران

فبها متّ ولو عش‍ ... ت إذن طال هوانى

فقال له أحد جلسائه: ما الشيفران؟ قال: ما يدرينى هذا من غريب الحمير! فإذا لقيتم حمارا فسلوه (١). ولعلهم لم يكثروا من التندير على شئ كما أكثروا من التندير على الّلحى، وكان كثير من أهل الوقار يطيلونها ويعرّضونها جدّا، فتندّر عليهم الشعراء طويلا من مثل قول مروان بن أبى حفصة فى لحية شيخ يسمى رباحا (٢):

لقد كانت مجالسنا فساحا ... فضيّقها بلحيته رباح

مبعثرة الأسافل والأعالى ... لها فى كلّ زاوية جناح

ولم نتحدث حتى الآن عن فن استحدثه الشعراء العباسيون، ولم تكن له أى أصول قديمة، ونقصد فن الشعر التعليمى الذى دفع إليه رقى الحياة العقلية فى العصر، فإذا نفر من الشعراء ينظمون بعض القصص أو بعض المعارف أو بعض السير والأخبار. ومن أوائل ما يلقانا من ذلك تحدث صفوان الأنصارى فى أشعاره عن فضل الأرض وما تحمل من كنوز ومعادن كريمة (٣). ولا ريب فى أن أبان ابن عبد الحميد هو الذى عمل على إشاعة هذا الفن الشعرى الجديد، فقد نظم فيه


(١) أغانى ٣/ ٢٣١ والعقد الفريد ٦/ ٤٤٢.
(٢) عيون الأخبار ٤/ ٥٦.
(٣) البيان والتبيين ١/ ٢٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>