للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذلك وضع للشاعر العباسى منه نماذج كى يحاكيها، وكان أول من بادر إلى محاكاته-فيما نظن-أبو العتاهية فله على نسق مقطوعته الثانية بيتان نظمهما فى بعض القضاة على هذه الشاكلة (١):

همّ القاضى بيت يطرب ... قال القاضى لما طولب

ما فى الدنيا إلا مذنب ... هذا عذر القاضى واقلب

والحق أن الخليل اكتشف للشعراء أوزانا جديدة كثيرة لم يستخدمها أسلافهم، وذلك أنه-كما مر بنا فى غير هذا الموضع-استضاء بفكرة التباديل والتوافيق الرياضية فى وضع عروض الشعر، إذ جعل أوزانه تدور فى خمس دوائر أو بعبارة أدق تدور أجزاؤها من الأسباب والأوتاد، فإذا هو يحصى الأوزان التى استخدمها العرب واضعا لها ألقابها ويحصى أو يستنبط أوزانا أخرى مهملة لم يستخدموها فى أشعارهم، كى ينفذ منها الشاعر العباسى إلى ما يريد من تجديد فى أوزان الشعر وبحوره. وكان من أوائل من استغلوا صنيعه تلميذه عبد الله بن هرون بن السّميدع البصرى، وفيه يقول أبو الفرج: «أخذ العروض عن الخليل بن أحمد، فكان مقدّما فيه وانقطع إلى آل سليمان بن على، وأدّب أولادهم، وكان يمدحهم كثيرا. . وكان يقول أوزانا من العروض غريبة فى شعره، ثم أخذ ذلك عنه ونحا نحوه فيه رزين العروضى، فأتى فيه ببدائع جمّة، وجعل أكثر شعره من هذا الجنس» (٢). ولم يصلنا من شعره سوى قصيدة واحدة احتفظ بها ياقوت فى معجمه، وهى فى مديح الحسن بن سهل وزير المأمون، وأولها:

قرّبوا جمالهم للرحيل ... غدوة أحبّتك الأقربوك

خلّفوك ثم مضوا مدلجين ... مفردا بهمّك ما ودّعوك (٣)

وإذا أنعمنا النظر فيها وجدناها تجرى على وزن من أوزان الخليل المهملة، هو عكس وزن المنسرح، فوزنها مفعولات مستفعلن فاعلن. وربما كان أهم شاعر


(١) المسعودى ٣/ ٣٦٠.
(٢) أغانى (طبع دار الكتب) ٦٦/ ١٦٠.
(٣) مدلجين: سائرين ليلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>