للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نابه عنى بصنع أشعار على تلك الأوزان المهملة، هو أبو العتاهية، فقد روى له ابن قتيبة قوله (١):

للمنون دائرات يدرن صرفها ... هنّ ينتقيننا واحدا فواحدا

وقوله:

عتب ما للخيال خبّرينى ومالى ... لا أراه أتانى زائرا مذ ليالى

ووزن البيت الأول فاعلن مستفعلن مرتين فهو عكس البسيط بينما وزن البيت الثانى فاعلن فاعلاتن مرتين وهو عكس وزن المديد. والوزنان جميعا من الأوزان المهملة التى تستنط من دوائر الخليل. على أنه ينبغى أن نعرف أن هذه الأوزان المهملة التى استخدمها أبو العتاهية ورزين وابن السميدع لم تشع على ألسنة العباسيين، وكأنهم أحسوا نقص أنغامها وإيقاعاتها بالقياس إلى الأوزان المستعملة. وينسب إلى هذا العصر وزن شعبى هو وزن «المواليا» ويقال إن سبب ظهوره أن الرشيد منع الناس من رثاء البرامكة، فلم يجرءوا على رثائهم، ولكن جارية لجعفر بن يحيى البرمكى بكته فى أشعار نظمتها من هذا الوزن بالعامية، وكانت تختمها بكلمة «يامواليه» غير أن هذه القصة-فيما يظهر-أسطورة إذ لم يثبت أن الرشيد منع الشعراء من رثاء البرامكة، وفى كتب الأدب من مراثيهم أشعار كثيرة. ولعل مما ينقضها نقضا أن ابن تغرى بردى أنشد مواليا للعتّابى شاعر البرامكة والرشيد على هذا النمط (٢):

يا ساقيا خصّنى بما تهواه ... لا تمزج اقداحى رعاك الله

دعها صرفا فإننى أمزجها ... إذ أشربها بذكر من أهواه

وكأن المواليا لم تبدأ عامية ملحونة، وإنما بدأت فصيحة، ثم تحولت إلى العامية، إذ ازورّ عنها شعراء الفصحى كما ازورّوا عن الأوزان المهملة السابقة.

وعلى نحو ما جدّدوا-لهذا العصر-فى الأوزان جدّدوا فى القوافى مستحدثين ما سموه باسم المزدوج والمسمّطات، أما المزدوج فالقافية فيه لا تطرد فى الأبيات، بل تختلف من بيت إلى بيت، بينما تتحد فى الشطرين المتقابلين، وعادة تنظم من


(١) الشعر والشعراء ص ٧٦٦.
(٢) النجوم الزاهرة لابن تغرى بردى ٢/ ١٨٦

<<  <  ج: ص:  >  >>