للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نواله كثيرا، كما أضفى عليه أبو نواس غير مدحة، وله يقول (١):

أنت الخصيب وهذه مصر ... فتدفّقا فكلاكما بحر

النيل ينعش ماؤه مصرا ... ونداك ينعش أهله الغمر

وسرعان ما أخذ يحنّ حنينا شديدا إلى بغداد حيث المجون قائم على قدم وساق، وصوّر هذا الحنين بصور مختلفة، من مثل قوله (٢):

كفى حزنا أنى بفسطاط نازح ... ولى نحو أكناف العراق حنين

وعاد إلى بغداد ولم يلبث الرشيد أن توفى وخلفه الأمين (١٩٣ - ١٩٨ هـ‍) وكان فيه ميل شديد إلى اللهو فحوّل قصر الخلافة إلى مقصف كبير للغناء والرقص، واتخذ أبا نواس نديما له يمدحه وينظم له ما شاء من غزل وخمر، واستغلّ ذلك المأمون حين عزم على حرب الأمين، فكان يعمل كتبا بعيوبه تقرأ على المنابر بخراسان، وكان مما عابه به أن قال إنه استخلص رجلا شاعرا ماجنا كافرا يقال له الحسن بن هانى ليشرب معه الخمر ويرتكب المآثم ويهتك المحارم، وهو القائل:

ألا فاسقنى خمرا وقل لى هى الخمر ... ولا تسقنى سرّا إذا أمكن الجهر

وبح باسم من تهوى ودعنى من الكنى ... فلا خير فى اللذات من دونها ستر

وكان يقوم رجل بين يديه فينشد أشعار أبى نواس فى المجون، فاتصل ذلك بالأمين فنهى أبا نواس عن الخمر ولم ينته، حينئذ أغراه الفضل بن الربيع وزيره بحبسه، فحبسه، وقد مضى فى حبسه يستعطف الفضل بأشعار مشيعا فيها روحه الفكهة بما يصوّر من نسكه وعلامات السجود فى جبهته وحمله للمسابيح أو السّبح فى ذراعه وللمصحف فى لبّته. (٣) وعطف عليه الفضل فتلطف له عند الأمين وردّ إليه


(١) الديوان ص ١٠٢.
(٢) الديوان ص ٣٩٩ وانظر ص ٩٧.
(٣) الديوان ص ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>